13 سبتمبر 2025

تسجيل

العجوز الماكر

31 مايو 2015

يمكن القول إن الذكاء والمكر يتفوقان على القوة، فالحياة ليست للأقوى، بل للأكثر ذكاء ومكرا ودهاء، وهذا ينطبق تماما على العجوز السويسري سيب بلاتر، الذي يتزعم أقوى وأغنى منظمة رياضية في العالم، وأثبت أنه قادر على المناورة للفوز للمرة الخامسة برئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم " فيفا" رغم تجاوزه 79 عاما من العمر.مليارات البشر في العالم يرون في كرة القدم متعة بعيدا عن التجاذبات والدسائس والمؤامرات والصفقات، ولحظات سعادة وفرحة، بعيدا عن "سماسرة الرياضة والسياسة"، والغالبية العظمى من البشر، وأنا من بينهم، ينظرون إلى أقدام اللاعبين في الملاعب، ولا ينظرون إلى "التجارة والاحتكارات والرعايات والصفقات المالية الضخمة، والبيع والشراء والتأجير"، فهم لا يشغلون أنفسهم بهذه الأمور.لكن مقابل هذه "البراءة الجماهيرية الساذجة"، هناك طابور من المستفيدين الذين يمطر عليهم "فيفا" ملايين الدولارات، ويستغلون كرة القدم وغيرها من الرياضات ويحولونها إلى "بقرة حلوب" تدر عليهم القصور والطائرات والحسابات البنكية.هذه الحقائق يدركها العجوز الماكر "سيب بلاتر"، فهو يقود الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ عام 1998، وسيستمر بقيادته لسنوات أخرى، لأنه أجاد عمليات "التربيط والتزبيط" على مستوى العالم، مما مكنه من "بطح" الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ورئيسه ميشيل بلاتيني الطامحين إلى إبعاده، واستطاع أن يحصد 133 صوتا مقابل 73 صوتا للأمير علي بن الحسين، مما يؤكد مقدار النفوذ الذي حول بلاتر إلى "دكتاتور بالاختيار والرضى"، أو على الأقل إلى "محتكر مرغوب به" لقيادة "فيفا" بلا منازع، إلى درجة يبدو معها أن سيتوج ملكا على "فيفا" مدى الحياة.هذا الحصاد الكبير لهذا "العجوز الماكر" ليس وليد صدفة أو "فزعة" على الطريقة العربية، بل وليد تخطيط ونشاط وتعبئة واستراتيجية وتكتيك وفريق جيد فاعل "وفاهم شغله"، وهو وليد الاستفادة القصوى من التناقضات السياسية والاقتصادية للدول العالم، وقد ظهر ذلك بتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي أشاد "بحرفية" بلاتر وهنأه بإعادة انتخابه والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي دافع عنه بقوله: إن المنظمات الرياضية العالمية "فوق أي شبهات"، خلافا لموقف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي دعا لاستقالة بلاتر.بصراحة هذا العجوز الماكر "يعرف من أين تؤكل الكتف"، وهو يأكلها للمرة الخامسة على التوالي رغم ما سماه "بالرائحة الكريهة وحملة الكراهية التي شنها الاتحاد الأوروبي ضده". واتهامه واشنطن بالتآمر عليه، وقال "لم تكن مجرد مصادفة أن تلقي الشرطة السويسرية القبض على سبعة مسؤولين كبار في كرة القدم بينهم نائب رئيس الفيفا قبل يومين من المؤتمر السنوي للاتحاد الدولي وانتخابات الرئاسة، وتحتجزهم في انتظار ترحيلهم للولايات المتحدة التي تتهمهم بالفساد بتلقي رشاوى تزيد قيمتها عن 150 مليون دولار"، واعتبرها محاولة "للتدخل في أعمال مؤتمر الاتحاد الدولي"، وصعد من هجومه "لن يستطيع أحد أن يقنعني بأنها كانت مجرد مصادفة أن يحدث الهجوم الأمريكي قبل يومين من انتخابات الفيفا. وبعد ذلك رد فعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وبلاتيني"، وتابع "لماذا لم تفعل (الشرطة) ذلك في مارس الذي شهد الاجتماع نفسه. في هذا الوقت كان هناك عدد أقل من الصحفيين." واتهم أمريكا بدون مواربة أن لها مصالح فيما حصل، وقال "هناك مؤشرات لا تكذب الأمريكيون كانوا مرشحين لمونديال 2022 وخسروا"، معربا عن "صدمته" للطريقة التي استهدف بها القضاء الأمريكي الاتحاد الدولي لكرة القدم.فوز هذا العجوز الثمانيني ليس مجرد ضربة حظ أو صدفة، بل إجادة اللعب في المربعات الضيقة وعلى خطوط التماس، والقدرة على شن هجمات مرتدة مكنته من تسجيل 133 هدفا دفعة واحدة، مقابل 73، وهو فارق كبير. لا شك أن الأمير الأردني علي بن الحسين، حصل على نتيجة جيدة، بعد أن كانت حظوظه شبه معدومة، لكنني أعتبر أنه وقع "ضحية" التربيطات والتوازنات والصفقات الدولية، وهي تربيطات لها كهنة ودهاقنة وسحرة، لا شك أن بلاتر واحد منهم.شخصيا كنت أؤيد بقوة فوز الأمير علي من أجل ضخ دماء جديدة في "فيفا"، ولكن الأماني شيء والتوازنات على الأرض شيء آخر، وهي توازنات ضحكت للعجوز السويسري الماكر الذي علق على ما جرى بطريقة سويسرية هادئة:""أسامح الجميع لكني لا أنسى."