31 أكتوبر 2025

تسجيل

سد النهضة وأزمة مصر الثورة

31 مايو 2013

يتصاعد الجدل في مصر حول التطورات المتعلقة بسد النهضة الإثيوبي بعد قيام الحكومة هناك بتحويل مجرى نهر النيل الأزرق لاستكمال إنشاءات السد، وذلك بعد ساعات من انتهاء زيارة الرئيس محمد مرسي لإثيوبيا، فيما اعتبر إهانة للرئيس الذي أعلن أن الموقف النهائي لمصر سيتحدد بناء على تقرير لجنة الخبراء الثلاثية التي تشكلت من مصر والسودان وإثيوبيا لتحديد الآثار المترتبة على بناء السد. وكان التقرير المبدئي للجنة قد كشف عن بعض من هذه الآثار منها أنه سيحرم مصر من 9 مليارات متر مكعب سنوياً من حصتها، وهذا النقص سيلقى بتأثيراته السلبية على مجالات أخرى كثيرة، حيث سينقص إنتاج الكهرباء في مصر بنحو 20%، وهي نسبة كبيرة خاصة في ظل نقس الإنتاج الحالي، والأخطر من ذلك كله انخفاض هذه الكمية سيؤدى إلى تبوير 2 مليون فدان. كما أن هناك مخاطر شديدة تهدد مصر والسودان في حالة تعرض السد للانهيار، حيث إنه مقام على منحدر شديد الوعورة، وبالتالي فإن احتمالات انهياره عالية للغاية ومعامل أمانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل أمان السد العالي الذي يصل إلى 8 درجات، وبالتالي فإنه في حالة انهياره سيؤدى إلى انهيار سدى "الروصيرص وسنار"، السودانيين، ومحو مدينة الخرطوم وغمر 24 ألف كم مربع من الأراضي الزراعية والمباني السكنية على طول المسافة من سد النهضة والسد العالي ويستمر دماره لجميع المدن التي تقع شمالها وصولا إلى السد العالي ومدينة أسوان. ورغم هذه الأضرار التي ستنتج عن بناء السد، والتي ستطال حتى إثيوبيا نفسها، إلا أن هذه الأخيرة تصر على المضي قدما في بنائه، من أجل فرض أمر واقع على مصر لابتزازها وتطبيقا لإستراتيجية شد الأطراف التي تمارسها الولايات المتحدة وإسرائيل عبر إثيوبيا ضد مصر الثورة التي أعلنت التمرد على بيت الطاعة الصهيو أمريكي، حيث تدرك أديس أبابا ومن ورائها واشنطن وتل أبيب، الظروف الصعبة التي تمر بها القاهرة خاصة الانقسامات السياسية الكبيرة، وبالتالي ضعف الدولة المصرية عن اتخاذ موقف قوي من هذه الإستراتيجية الهجومية. ولعل التصريحات التي أدلى بها السفير الإثيوبي في القاهرة تدل على ذلك، وذلك حينما أكد أن بلاده ترفض أية ضغوط للتراجع عن بناء سد النهضة لأنه حق أصيل لها. وهو ما يعني أن إثيوبيا تصر على السير حتى النهاية في طريق الصدام مع مصر. ولذا يجب على الرئيس مرسي أن يبدأ في وضع البدائل المناسبة للتعامل مع هذه الأزمة، لكن قبل وضعها لا بد من بناء إجماع دولي حول حقوق مصر التاريخية في نهر النيل يساعده في تنفيذ هذه البدائل. ويبدو أن الرئيس انتبه لهذا الأمر مبكرا فقام بالعمل على التقارب مع عدد من الدول ذات الأهمية الدولية من أجل بناء هذا الإجماع، ومنها دول الصين صاحبة أكبر استثمارات في إفريقيا، ومنها بطبيعة الحال إثيوبيا، وكذلك روسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا. حيث قام الرئيس بزيارات لهذه الدول من أجل خلق مصالح مشتركة بينها وبين مصر، تساعد على خلق تحالف اقتصادي وسياسي يمكن استخدامه في الحشد الدولي إذا تطلب الأمر. أما عن البدائل المتاحة أمام صانع القرار المصري، فتتمثل في ثلاثة بدائل أساسية هي التفاوض والتحكيم الدولي ثم التدخل العسكري. حيث تسير مصر الآن في عملية التفاوض التي بدأت منذ سنين، وتحديدا منذ بدأ الحديث حول الاتفاقيات الجديدة لتوزيع مياه النيل، التي أصبحت تعرف فيما بعد باتفاقية "عنتيبي" وحتى الآن. وقد قامت عملية التفاوض في المرحلة الماضية على أساس قضية مياه النيل فقط، وهو ما جعل مصر في موقف ضعيف يريد الحصول على حقوق دون تقديم مقابل. ولذا يجب أن يقوم التفاوض في المرحلة القادمة على أسس التعاون الشامل بين مصر وإثيوبيا وباقي دول حوض النيل بحيث تتحول قضية مياه النهر إلى ملف ضمن ملفات التعاون الشامل. وبذلك تصبح مصر في موقف أقوى لأن لديها ما تقدمه لهذه الدول من قدرات اقتصادية وثقافية. وإذا ما فشلت جهود التفاوض التي تقودها مصر حتى الآن، والتي يبدو أنها تصر على استكمالها حتى النهاية برغم الإشارات السلبية الصادرة من العاصمة الإثيوبية، فإن القاهرة حينها ستلجأ إلى التحكيم الدولي. والقانون الدولي يقف إلى جوارها حيث إن الاتفاقيات التي وقعت في الماضي تعطي مصر الحقوق التي تحاول إثيوبيا وبعض دول حوض النيل عدم منحها إياها في الاتفاقيات الجديدة لتوزيع المياه، ومنها حق الاعتراض على أية مشروعات على مجرى النهر يمكن أن تؤثر على حجم المياه الواصلة إلى مصر، وكذلك تحديد الكمية التي تحصل مصر عليها سنويا من النهر، حيث أعلنت إثيوبيا عدم التزامها بهذه الاتفاقيات رغم أن القانون الدولي يؤكد على ضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية الثنائية حتى لو تم توقيعها خلال فترة الاحتلال الأجنبي. وبالتأكيد سيكون من السهولة حصول مصر على حكم دولي بحقها في الاحتفاظ بالحقوق التي رتبتها لها الاتفاقيات السابقة في متن الاتفاقيات الجديدة. وهنا سيكون للإجماع الدولي، وتعبئة الرأي العام العالمي، دوره في الضغط على إثيوبيا للقبول بهذا الحكم. لكن إذا استمر التعنت الإثيوبي فلن يكون أمام القاهرة سوى اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة لوقف بناء السد. وقد تحدثت أنباء عديدة حول سيناريوهات استخدام القوة، منها توجيه ضربة عسكرية جوية لجسم السد أو إرسال فرقة كوماندوز لتخريبه.