11 سبتمبر 2025

تسجيل

رب اجعل هذا البلد آمنا

31 مايو 2012

كان يوماً حزيناً ذلك اليوم الذي صعدت فيه من قطر أرواح مجموعة من الأطفال وأرواح أبرياء آخرون هم مجموع ضحايا حريق وقع في مجمع فيلاجيو بقطر التي لم تعهد هذا النوع من الحوادث الكبرى التي هزّت المجتمع القطري الذي يتأثر بوقوع حادث مروري يؤدي لوفاة شاب في مقتبل العمر فكيف به لا يهتز عند وقوع كارثة مثل هذا الحريق الهائل الذي نتج عنه اختناق أطفال الحضانة التي كانت بداخل المجمع مما أدى لوفاة أغلب من كانوا فيها فاحترقت مع تلك الأجساد الصغيرة .. قلوب أمهاتهم وآبائهم وتعاطفت معهم قلوب الناس في هذا المجتمع المؤمن الآمن الذي تعلّم كيف يواسي بعضه بعضاً منذ أن كانت البيوت من طين متراصّة بجانب بعضها البعض، ومنذ أن تشاركوا اللقمة والبسمة والدمعة معاً، مع أبناء وطنهم ومن شاركهم بناء وطنهم حتى مع غير المسلمين من الأجانب متأسّين بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلّم الذي علّمنا كيف تُحتَرم النفس البشرية حتى وإن كانت "نفس رجل يهودي".. حين مرّوا بها أمامه فوقف عليه الصلاة والسلام وسُئل عن ذلك فقال " أليست نفساً ؟ " في إشارة إلى مكانة النفس البشرية التي ألهمها الله تعالى فجورها وتقواها.. وعليها بعد ذلك أن تختار طريقها إما إلى جنة وإما إلى نار. ولكنها إرادة الله تبارك وتعالى النافذة دوماً فيؤمن بها ويسلم لها المؤمنون ويكفر بها ويضيق بها الكافرون الجاحدون، إن لله سبحانه وتعالى حكمة بالغة في كل شيء وهو سبحانه كذلك أرحم بنا من والدينا وأعلم بما هو خير لنا وما هو شر لنا .. قال تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) صدق الله العظيم. إن مجتمعنا والحمدلله مجتمع آمن مؤمن لا يزال ينعم بفضل الله بالأمن الذي تفتقده الكثير من الدول العظمى في العالم وهي نعمة عظيمة لمسها القريب والبعيد وشهد لها الزائر والمقيم والحمدلله، فما أعظمها من نعمة أن تعيش في مجتمع وأنت آمن على نفسك وأهلك وأبنائك..أمنٌ يحيط بنا وبجيراننا في مدننا وقرانا المتناثرة على أرض قطر الحبيبة، وتلك نعمة "موجودة مفقودة".."موجودة" إذا ما أحسن الناس تعاملهم مع الله تعالى وعبدوه حق عبادته.. و"مفقودة" إذا ما أساء الناس أدبهم مع الله تعالى وجحدوا بنعمه وآلائه. ولسنا نقول ذلك عن قطر مديحاً وإطراءً وإنما شهادة نشهد بها أمام الله بأن قطر تنعم بفضل الله تعالى بنعمة الأمن والإيمان الذي يشعر به كل من زارها، وهما في واقع الأمر نعمتان مترادفتان متلاصقتان، فأينما وُجِدَ الإيمان.. وُجِدَ الأمن والأمان، فبالإيمان يعمّ الخير وينتشر الصلاح وبالكفر يعمّ الشر وينتشر الفساد، ومما يميّز قطر عن غيرها بأنها كانت ولله الحمد وطناً منشوداً للكثير من العلماء والدعاة الذين لمسوا فيها رغبة أهلها في انتشار الدعوة إلى الله وحبّهم لفعل الخير في مجتمعهم وفي سائر بلاد المسلمين، وهو الأمر الذي شجع الكثير من الدعاة والعلماء لاتخاذ قطر بوابة لهم تفتح لهم أبواب الخير وتعينهم على نشر الدعوة إلى الله وإلى نشر الإسلام في أرجاء الكون عندما ضاقت عليهم أوطانهم بعد أن تحكّم بها الطغاة المعادون للإسلام والمحاربون لشرع الله، ولعل من أشهرهم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي الذي شرفت بوجوده قطر كما شرفت بوجود كوكبة كبرى من العلماء والدعاة ساهموا في الدعوة إلى الله بدءاً من قطر وانتهاءً بها، مما زاد من تمسّك الناس بدينهم وتعلّقهم بشرع الله، فخرج من بين أهل قطر قديماً وحديثاً علماء ودعاة وجدوا بيئة صالحة وقلوباً تهوى الإسلام وأفئدة تقبل على الله بكل خضوع وخشوع. إنّ مما آلمنا جميعاً في هذا الحريق أن معظم ضحاياه كانوا من الأطفال الذين ليس بإمكانهم تدبير شؤونهم في مأكل أو مشرب أو دخول أو خروج واعتمادهم على غيرهم في هذه المرحلة الجميلة والبريئة من أعمارهم التي أدخلت الابتسامة في حياة أهلهم بما يملكونه من براءة وعفوية فضلاً عن جمال هيئة وحسن منظر، فكل طفل هو عالمٌ من الفرح في قلب والديه مهما كانت ديانة أو عقيدة والديه لأنها الفطرة التي فطرها الله لمخلوقاته عندما تعطف على صغارها وتحنو عليهم. ولعلنا جميعاً استشعرنا بشكل فوري وتلقائي تلك الآلام التي يشعر بها إخواننا في سوريا وخاصة بعد أحداث مجزرة "الحولة" التي برهنت للعالم بأسره على وحشية وبربرية هذا النظام المجرم ووحشية أعوانه ومساعديه من ايران والعراق ولبنان من الصفويين الحاقدين، مما أثبت للعالم بأسره بأن هذا النظام لا ينتمى للإنسانية في تعامله مع شعبه مما دفع بأغلب الدول الغربية إلى المسارعة بشكل فوري إلى طرد سفراء هذا السفّاح المجرم الذي لم يرحم بكاء الأطفال ولا براءتهم ولا توسّلاتهم ولا دموعهم، وهو بلا شك نظام لا يستحق الحكم فضلاً عن كونه لا يستحق العيش فوق هذه الأرض، فمثل هؤلاء الوحوش باطن الأرض خير لهم من ظهرها. ولقد استشعرنا عندما سالت الدموع على الضحايا من الأطفال في الحريق كم هي معاناة الشعب السوري الذي يعيش يومياً مثل هذه المآسي والمجازر، كما استشعرنا كيف يكون جنود الوطن هم خير مثال لأمنه وأمانه عندما ضحّوا بأنفسهم من أجل إنقاذ حياة الآخرين وبالأخص الأطفال، فرجال الامن في قطر يحملون الأمان الايمان والرحمة معا، أما شهداؤنا ففي الجنة بإذن الله تعالى.. ونقول ختاماً "رب اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين".. اللهم آمين.