12 سبتمبر 2025

تسجيل

دروس الأزمة القبرصية ( 1 )

31 مارس 2013

عرفت جزيرة قبرص، بأنها قبلة سياحية دولية تتميز بجمال طبيعتها وشواطئها، إلا أنها بقيت في الظل، كأحد الجنات الضريبية قبل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تتدفق عليها الأموال من كل حدب وصوب، وبالأخص من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وبلدان أوروبا الشرقية. اليوم تواجه الجزيرة تحديات خطيرة معرضة اقتصادها الصغير للإفلاس، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية وتقاسم النفوذ السياسي بين العديد من البلدان لتلتقي وتتقاطع فوق هذه الجزيرة التي نأت بنفسها ولسنوات طويلة عن هذه التجاذبات وفتحت أبوابها للجميع انطلاقا من مصالحها الوطنية. يبدو أن هذه الحيادية النسبية لا تناسب الكبار الذين يشاركونها عضوية الاتحاد الأوروبي، فالألمان غير قادرين على المنافسة للحصول على عقود الغاز المكتشف حديثا بالقرب من شواطئ قبرص لصالح روسيا التي تمد ألمانيا والعديد من بلدان الاتحاد الأوروبي باحتياجاتهم من الغاز عبر خطوط تمتد آلاف الكيلومترات بنيت منذ العهد السوفيتي وتشكل على الدوام نقطة ضعف في علاقة أوروبا بروسيا الاتحادية. أما الروس، فقد اتخذوا من قبرص ومؤسساتها المصرفية وأسواقها المالية قاعدة مهمة ومضمونة من وجهة نظرهم فبلغت قيمة ودائعهم 32 مليار يورو، هذا عدا استثماراتهم الهائلة في السوق العقارية والسياحة والخدمات، مما أسهم في إنعاش اقتصاد الجزيرة. هذا التناقض بين عضوية قبرص في الاتحاد الأوروبي وعلاقاتها المميزة مع روسيا الاتحادية تمخض عنه العديد من التجاذبات وتضارب المصالح، مما أدى إلى تردد المفوضية الأوروبية في مد يد العون للاقتصاد القبرصي من خلال خطط الإنقاذ الأوروبية، كما فعلت مع اليونان وأيرلندا والبرتغال وإيطاليا، علما بأن المبالغ المطلوبة للإنقاذ في قبرص بالكاد تصل إلى %10 فقط من مثيلاتها في إيطاليا واليونان. وبدلا عن ذلك لجأ الاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا وبدعم من صندوق النقد الدولي إلى بدائل مثيرة للجدل وغير متعارف عليها في التعاملات المصرفية والمالية الدولية وهي فرض ضرائب على الودائع التي تتجاوز 100 ألف يورو في بنك قبرص بنسبة كبيرة بلغت %40 كحد أعلى والاستحواذ على الودائع التي تفوق 100 ألف يورو وبنسبة %100 في "سايبرس بوبيولر بنك"، وهو إجراء فريد من نوعه وإجراء خطير في العلاقات المصرفية والمالية الدولية. وبالإضافة إلى المودعين القبارصة والذين تم حماية الصغار منهم، فإن القائمة تشمل مودعين أجانب من مختلف البلدان، بما فيهم بعض بلدان الشرق الأوسط، إلا أن أكبر الأضرار سوف تلحق بالمودعين الروس والذين قد يخسر بعضهم كامل قيمة ودائعه، حيث أعلنت روسيا عن استعدادها للمساهمة في إنقاذ اقتصاد الجزيرة وتفادي فرض ضريبة على الودائع، خصوصا أن العديد من المسؤولين في روسيا الاتحادية لديهم ودائع في المصارف القبرصية. وبالتأكيد سيسهم اتفاق قبرص مع الترويكا في منع إفلاس اقتصاد الجزيرة وبقائها ضمن منطقة اليورو، إلا أن اللجوء للحلول السهلة سيلحق ضررا بالغا بالمودعين والذين تبخرت ودائعهم في غمضة عين وبدون سند قانوني. ويثير ذلك مسألة في غاية الخطورة، إذ إنه يلغي عمليا قناعة استمرت لعقود طويلة لدى المستثمرين حول العالم، وهي أن بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة تعتبر أكثر البلدان ضمانا للاستثمار، بما فيها الودائع، إلا أن القرار الأوروبي الأخير يضع موضع الشك هذه القناعة ويعرض سمعة الأسواق الغربية لعدم اليقين، إذ يمكن القول، إنه لا توجد ضمانات تامة، فالودائع والاستثمارات هناك يتسنى الاستحواذ عليها أو على جزء كبير منها بكل بساطة ومن خلال سن واستحداث أنظمة جديدة دون أن يتمكن المودعون والمستثمرون من الدفاع عن حقوقهم.