10 سبتمبر 2025

تسجيل

الحرب العالمية الأبدية!

31 يناير 2024

أي حرب عالمية تحوم في سمائنا في ضوء ما يحدث في غزة؟ أو في ضوء حرب أوكرانيا؟ أو حتى في ضوء التحذير المتواصل من حرب كبرى قد تنتج عن غزو صيني لتايوان؟ وهل نحن فعلا بانتظار حرب عالمية جديدة؟ أم أننا ربما نعيش بالفعل حربا عالمية «أبدية»؟ في السنوات الأخيرة تزايد الحديث عن حرب عالمية قادمة اعتبر البعض أنها ستكون الثالثة، الرابعة، الخامسة، وربما السادسة. كل يحسب بحسب تقديره. منهم من يقول إن الحرب الثالثة كانت «الحرب الباردة»، وإن « الحرب على الإرهاب» هي الرابعة، وجائحة كورونا هي الخامسة وعليه تكون المنتظرة هي السادسة. ومنهم من يعتبر أن الضربات الاقتصادية التي أدت لتدمير «النمور الآسيوية» عام 1997 ثم تدمير جانب كبير من الاقتصاد العالمي في 2008 كانتا حربين عالميتين، وعليه تدخل الأزمات الاقتصادية السابقة في القرن المنصرم والحالي، في سياق الحروب العالمية التي يجب حسابها وعدها، بداية بالحرب الأولى 1914. وهنا سيختلف العدُّ بحسب وجهات النظر إزاء المعيار الذي يجعلها حروبا. وسيدخل في ذلك بالتأكيد ما سمي بالكساد الكبير عام 1929. لكن بما أن المقصود بالحديث الآن هو الحرب العسكرية فسيكون كلامنا عن «الحرب العالمية الثالثة» وعن إرهاصاتها التي هي أخطر كثيرا مما يظن كثيرون. ولعل البعض يندهش عندما يعرف أن الحديث عن الحرب «الثالثة» بدأ والحرب الثانية في منتصفها تقريبا، إذ جاء أول ذكر لها في تقرير لمجلة «تايم» الأمريكية أواخر عام 1941. وفي مارس 1943 نشرت المجلة ذاتها تصريحا لنائب الرئيس آنذاك هنري والاس يقول «نحن سنحدد هذا العام أو في 1944 ما إذا كنا سنبذر بذور حرب عالمية ثالثة»! ومنذئذ لم يتوقف الحديث عن تلك الحرب. وقبل أيام نقلت مجلة «بيلد» الألمانية عن تقرير لوزارة الدفاع في بلدها أن برلين تستعد لحرب مع روسيا خلال أسابيع، تتوقع انفجارها لتكون الحرب «الثالثة»، التي ستمتد إلى العام 2025 وما بعده. وينسجم ذلك مع معلومات أفادت بأن موسكو أعدت بالفعل ميزانية حرب حتى عام 2025، ومع تقرير للمجلة ذاتها نشرته السبت الماضي حول استعدادات لإنشاء مخابئ محصنة في ألمانيا تحسبا للحرب. وهنا نجد في موقع «دييجو.كوم» الأمريكي كلاما عن حرب عالمية ثالثة خلال 2025، تخسر فيها الولايات المتحدة 70 إلى 80 بالمائة من سكانها، مشيرا إلى أنها ستكون حربا نووية. وهذا موقع 1945 الأمريكي أيضا وقد تنبأ قبل أشهر بأن الحرب الثالثة قادمة بأسرع مما يتوقع كثيرون. على أي حال فإن استقراء التاريخ يجعلنا نستخلص أن الحرب «الثالثة» المرتقبة قادمة لا محالة أيا كان موعدها، حتى ولو تأخرت شهورا أو سنوات أخرى. وهي قادمة لأسباب عدة منها أن الليلة أشبه ما تكون بالبارحة. فقُبيل الحرب الثانية، مثلا، كانت وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن قدومها بتفصيل لا يختلف كثيرا عما نحن بصدده الآن، ولم يكن الكثيرون يكترثون لذلك، تماما كما يحدث الآن. وسبب آخر هو أن هذه الحرب الثالثة ستكون جزءا مما أسميه «الحرب العالمية الأبدية» التي يشنها بالفعل «أعداء الإنسانية»، سدنة رأس المال، المتخفون وراء الماسونية العالمية في إطار ما اعتبره عملية مستمرة لـ «صناعة الكفر» كما أسميها في كتابي القادم «صناعة الكفر، تأملات في الدين والسياسة والتاريخ». وفي هذا تفصيل أرجو أن تتاح له الفرصة لاحقا. وهذه الحرب الأبدية الجارية بالفعل ليست حربا بين قوى متصارعة على النفوذ ولكنها حرب تشنها القوى الرأسمالية على عموم البشر، ومنها حرب غزة، لإبادة أعداد كبيرة منهم في إطار معتقدات يغلفونها بمسميات تبدو علمية من قَبيل، تحسين النسل، والتي يندرج تحتها كثير من النظريات الشيطانية مثل الداروينية وتفوق العرق الأبيض وما شابهها، في إطار سعي لا يتوقف لفرض الهيمنة الغربية والأمريكية تحديدا على العالم كما يقول الخبير الإستراتيجي الفرنسي باسكال بونيفاس في كتابه «نحو حرب عالمية رابعة؟» 2004، والذي حذر فيه من مخططات المحافظين الجدد، ولقي بسببه متاعب عدة واضطهادا من القوى الصهيونية. وللحرب العالمية «الأبدية» أبدية وجهٌ سماه الدكتور المسيري «الإمبريالية النفسية» وعرفها بأنها «عملية الهيمنة على المجتمعات الغربية»، وأحسب أنها تستهدف العالم كله. تلك الإمبريالية النفسية، تحول الإنسان إلى سلعة مستهدفة بالتعديل والتغيير والتلقين والتشفير من خلال الغذاء المهرمن والدواء المزيف الذي يضر أكثر مما يعالج وهو ما بات يطلق عليه بدوره «استعمار البدن»، بحسب المؤرخ ديفيد أرنولد صاحب كتاب استعمار البدن: طب الدولة والأمراض الوبائية في الهند في القرن 19، (1993). وتتضح ملامح تلك الحرب الأبدية أكثر إذا أضفنا إلى ما سبق عملية «الاستعمار الأكاديمي» و»الحرب الثقافية»، ومنها حرب التخريب الأخلاقي المتمثلة في محاولة فرض الشذوذ بكل أنواعه على العالم، وخلط الخيال بالواقع والكذب بالحقيقة. وهذه الأخيرة يتناولها كتاب حديث بعنوان «الذكاء الاصطناعي 2041: عشرون رؤية لمستقبلنا»، وضعه كاتبان، أحدهما الرئيس السابق لشركة جوجل (الصين)، كاي-فو لي، والذي يسير على نهج جورج أورويل ليؤكد من وجهة نظره أن «المجتمع الأورويلي» قادم وبتفاصيل أكثر قتامة مما تخيلها أورويل نفسه. يقول كاي-فو لي، إن الذكاء الاصطناعي سيقلب مجتمعاتنا رأسا على عقب، تماما كما حدث مع اختراع الكهرباء والموبايل. هذا بالطبع إن بقي العالم بتفاصيله الحالية أو قريبا منها عند هذا التاريخ. ويتحدث الكتاب عن زمن ستختفي فيه الخصوصية الشخصية بالكامل، والتي تعني عبودية أقسى من عبودية الجاهلية، وعندها سيعلن أعداء الإنسانية انتصارهم في حربهم العالمية الأبدية. وما بعدها يعلمه الخالق وحده.