16 سبتمبر 2025

تسجيل

هل وعد بونابرت اليهود بدولة قبل بلفور؟

31 يناير 2023

بعد العملية الفدائية التي نفذها شباب القدس يومي الجمعة والسبت كرد سريع على مذبحة الخميس العنصرية التي استشهد فيها 10 من شباب جنين ومن بينهم أطفال وسيدة مسنة، بعد تلك العملية شرعت منظمات إسرائيلية تتهم (بن غفير) و(نتنياهو) بتدمير إسرائيل بإلغاء "ديمقراطيتها" ووسمها في العالم كدولة التمييز العنصري، وفي المقابل كررت أحزاب "اللاهوت" المشاركة في حكومة نتنياهو أسطورة وعد الرب لشعب إسرائيل بأن هذه الأرض لليهود وحدهم وشرعوا ينشرون الأكاذيب المؤسسة لهذه الخرافة ومنها "تذكير" العالم بأن نابليون بونابرت وعد اليهود بدولة في فلسطين قبل بلفور فأعادوا نشر بحث قديم صدر في مجلة (هيستوريا) الفرنسية كان كتبه مؤرخ نمساوي من أصل يهودي هو (فرانز كوبلر) عندما نشر ما قدمه كرسالة من الجنرال بونابرت الى اليهود نقله حرفيا من كذبة مدلسة صدرت في عدد سبتمبر 1940 من مجلة (ذي نيو جيديا) اليهودية الصادرة في لندن! وتبدو مصداقية هذه الرسالة هشة مفضوحة بل إن أمرها شديد الغرابة. فالمؤرخ (كوبلر) نشر الرسالة باللغة الانجليزية مترجمة من الألمانية، سلمها له صديقه المؤرخ الألماني (فوجز) زاعماً انه ترجمها من أصلها الفرنسي. وادعى (كوبلر) أن أصل الرسالة مفقود لأن... (الجيش الألماني النازي عثر عليها في وثائق محجوزة يملكها (فوجز) وصادرها النازيون ثم أحرقوها...) وبذلك لم يبق أي أثر لرسالة بونابرت ولا يمكن التحقيق في صحتها ولا في نسبتها له. ويفتح الباب على مصراعيه للتلفيق والكذب وصناعة أحداث خيالية تخدم المصالح الاسرائيلية وحدها كما كانت تخدم مصلحة الجالية اليهودية في ألمانيا وكل أوروبا عام 1940 حينما اشتد القمع النازي ضد اليهود وضد الغجر وكل الشعوب غير الآرية (أي غير الطهورية من الجنس الأري). كان (كوبلر) يهدف الى تعبئة الرأي العام الأوروبي الى جانب اليهود.. ولكن أيضا إضفاء شرعية تاريخية أوروبية على مشروع احتلال فلسطين من قبل اليهود وإنشاء دولة اسرائيل... الذي تحقق مع القرار 181 القاضي بتقسيم فلسطين الى دولتين، قرار 29 نوفمبر 1947. ومن الواضح أن الادعاء بأن بونابرت وعد اليهود بدولة... والذي اشتغل عليه مؤرخون يهود يرمي الى اشعار الأوروبيين بديْن في رقابهم عليهم أن يسددوه لليهود بما أن اليهود كانوا الى جانب بونابرت في حملته على مصر والشام أي ضد العرب والمسلمين وان انتماءهم الى ما يسمونه الحضارة المسيحية اليهودية (أي الغربية بمفهوم اليوم) هو انتماء عريق وقديم وأصيل. ونأتي الى نص الرسالة المزيفة ونقرأها، فهي تبدأ بلهجة حماسية لم يألفها المؤرخون المتخصصون في تاريخ بونابرت. وهذه هي الرسالة: (من بونابرت القائد الأعلى لقوات الجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا الى الورثة الشرعيين لفلسطين. يا أبناء إسرائيل تلك الأمة الفريدة التي اغتصب منها الغزاة أرضها ولكن بقي اسمها خالداً... لقد كُتب على شعبكم أن يعود الى صهيون في غمرة السعادة...). وإلى آخر الرسالة يستمر هذا النفس الصهيوني الحماسي المنسوب الى بونابرت والذي لم يصدقه كل مؤرخ أمين... من ذلك أني سألت زميلي في مجال البحث بجامعة السوربون المستشرق هنري لورنس صاحب كتاب (أسباب حملة نابليون) عن رأيه في صحة هذه الرسالة وذلك الزعم فأجاب بضحكة عريضة. وبالطبع فمن الصعب تصور صدور نداء كهذا عن نابليون بكلمات هي من صميم الدعايات اليهودية في أرض فلسطين. والأصح أن نابليون كانت له علاقات عدائية مع اليهود. ولعل الأصدق أن نابليون سبق أدولف هتلر في اضطهاد اليهود حسبما تدل وثائق اشتغل عليها مؤرخون يهود أنفسهم. فالإمبراطور بونابرت كان جَدا ايديولوجيا لهتلر لا للورد بلفور. فقد عامل اليهود معاملة عنصرية قاسية ارضاء منه لموجة عداء أوروبية لليهود الى درجة ان نابليون أصدر قراراته المعروفة بقرارات 30 مايو والتي تميز بينهم وبين بقية الأعراق وجاء نصها كالآتي: (من واجبنا أن ننعش الشعور الأخلاقي والمدني لدى من يدينون بالديانة اليهودية حيث لاحظنا ان عددا منهم فقدوا هذا الشعور تحت عامل السقوط في حضيض المادة فمارسوا الربا وجمعوا الثروات غير الشرعية على ظهور الفلاحين والفقراء...). هذا ما وقع عليه الامبراطور... وهو ليس من باب مقاومة الثراء التي شاعت بعد قيام ثورة 1789 لكن من باب التمييز العرقي ضد اليهود إذ هو يقرن الثراء بالربا... ويقرن الربا باليهود دون غيرهم من الأعراق. ونذكر بأن النازية الهتلرية لم تفعل سوى هذا وهو ما ترفّع عنه العرب في كل مراحل تاريخهم مع اليهود... وما يفعله المحتلون اليوم ضد شعب فلسطين هو من قبيل عمليات إبادة جماعية.