31 أكتوبر 2025

تسجيل

المحن العربية وكيفية الخروج من المأزق! (2-2)

31 يناير 2016

فتح انهيار مشروع التحديث العربي ـ كما يرى د. غليون ـ قوميا كان أم وطنيا، باب مراجعة ممزقة وبدأت المفاهيم التي ارتبطت به، سواء ما تعلق منها بتصور الذات أو التاريخ أو القيم أو البرامج، تفقد بسرعة مصداقيتها مدلولها، فلم يتردد استخدام مصطلح الأزمة في أية حقبة ماضية في المناظرة الفكرية العربية كما تردد ولا يزال يتردد منذ بداية العقد التاسع من هذا القرن العشرين، ويعكس اللجوء المتزايد إليه، فيما وراء ما يتضمنه هذا المصطلح من محتوى موضوعي، الحالة النفسية الصعبة التي تعيشها المجتمعات العربية اليوم، كما يعكس التخبط الذي يسم رؤية المراقبين، العرب والأجانب، وحيرتهم في فهم ما يحدث فيها من اختلالات وتقلبات واضطرابات فجائية، وأحيانا لاعقلانية. وربما لا نبالغ إذا قلنا إنها تؤكد مشاعر الإخفاق التي تسيطر على قطاعات الرأي العام المحلي، وحتى العالمي فيما يتعلق بالواقع العربي. إن أزمة الدولة ليست في نظري ـ كما يرى غليون ـ إلا مظهراً من مظاهر أزمة المشروع التاريخي الذي نذرت نفسها له، أعني تحقيق التقدم، سواء من خلال استراتيجيات قومية أم وطنية، انقلابية أم إصلاحية. إنه أزمة الحداثة ذاتها، لا من حيث هي حالة جديدة ومنظومة قيم لم تستطع أن تتغلب على مقاومة الحالة ومنظومات القيم التقليدية السائدة، ولكن بالعكس من حيث هي قراءة للتاريخ العالمي، ومرشد للعمل واستراتيجيات مبلورة، أي بما هي مشروع تاريخي وفعل منظم ومسؤول تقوده نخبة أو دولة أو قوى اجتماعية واعية. لذلك عندما نتحدث عن أزمة الحداثة في بلادنا، فنحن لا نتحدث عن الحداثة بالمطلق، أي حتمية استيعاب المكتسبات الحضارية الجديدة والمتجددة، إن أزمة الدولة ليست في نظري إلا مظهراً من مظاهر أزمة المشروع التاريخي الذي نذرت نفسها له، أعني تحقيق التقدم، سواء من خلال استراتيجيات قومية أم وطنية، انقلابية أم إصلاحية. إنه أزمة الحداثة ذاتها، لا من حيث هي حالة جديدة ومنظومة قيم لم تستطع أن تتغلب على مقاومة الحالة ومنظومات القيم التقليدية السائدة، ولكن بالعكس من حيث هي قراءة للتاريخ العالمي، ومرشد للعمل واستراتيجيات مبلورة، أي بما هي مشروع تاريخي وفعل منظم ومسؤول تقوده نخبة أو دولة أو قوى اجتماعية واعية. لذلك عندما تتحدث عن أزمة الحداثة في بلادنا، فنحن لا نتحدث عن الحداثة بالمطلق، أي عن حتمية استيعاب المكتسبات الحضارية الجديدة والمتجددة، المادية والمعنوية، ولكن عن وهن وضعف وعدم اتساق رؤى واستراتيجيات وبرامج النخبات التي أخذت على عاتقها مهمة تحقيقها، أي، في الواقع، عن أزمة نوع خاص من الحداثة، هو ما تحت الحداثة، أو حثالة الحداثة، أكثر منه حداثة بالمعنى الحقيقي للكلمة.وقد أصبحت هذه الحداثة ـ الحثالة ـ كما يرى برهان غليون ـ العقبة الرئيسية أمام استملاك الحداثة الفعلية. إن العائق الحقيقي أمام تطوير الآلة الإنتاجية اليوم ليس الإنتاج الحرفي أو الفلاحي القديم، ولكن التشوهات الكامنة في صلب النظام الاقتصادي الجديد، بما يشتمل عليه من بنى داخلية وارتباطات خارجية. وبالمثل، ليس المعوق الأول لاكتساب الحريات السياسية مقاومة البُنى الاجتماعية التقليدية، ولكن طبيعة النظم السياسية الانقلابية التي ترفض المشاركة وتداول السلطة. ولا ينبع التفاوت الفاحش بين الطبقات وما يثيره من توتر اجتماعي وصراعات أهلية من التوزيع القديم للثروة والعمل ولكن من سياسات الدولة الجديدة ونخبها.إن جذور الأزمة الحقيقية التي تعصف بالمجتمع العربي اليوم ـ كما يؤكد غليون ـ تكمن في نموذج الحداثة العربية نفسها. وليس هناك أمل في الخروج منها إلا بهذه الحداثة المسخ وتوفير شروط تجاوزها والخروج منها. وفي مقدمة هذه الحداثة الممسوخة مسخ الدولة الحديثة (الوطنية) بالذات، في مفهومها ومصدر قيمها، أعني عقيدة ارتباط التقدم التاريخي بالدولة، ومن ثم بتعظيم دور الطليعة والإدارة وتضخيم أجهزة الجمع ووسائله لدرجة أصبح معدل بناء السجون والمعتقلات ومعسكرات التجميع والمراقبة ونقاط التفتيش وأجهزة المخابرات أكبر من معدل بناء المستشفيات أو المدارس أو الخدمات الاجتماعية.