16 سبتمبر 2025
تسجيلإن طاعة الله تعالى هي الأصل الذي جاءت به الشرائع السماوية جمعاء ودعت إليه كل الديانات السماوية على لسان الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله عز وجل لينقذوا البشرية من الظلمات إلى النور ,فإن جميع الرسل والأنبياء جاءت دعوتهم متفقة على مبدأ واحد وأصل ثابت وهو الدعوة إلى الإيمان بالله عز وجل الواحد القهار ,ووضعت لذلك أسس وشرائع من عبادات ومعاملات تقوم عليها سعاة البشرية ,فبهذا الإيمان تستطيع هذه البشرية التي استخلفها الله تعالى في الأرض أن تعيش في سعادة وأمان ويتحقق لها الرخاء والطمأنينة, فإن بناء الرجال الذين تفخر بهم الأمم يقوم في حقيقته على الاهتمام ببناء النفس والعقل ، فما قيمة جسد ليس في قلب صاحبه إيمان وعقيدة,وما قيمة صورة لا يحمل صاحبها مبادئ ولا قيم,فإن استشعار المؤمن أن الجنة محفوفة بالمكاره يتطلب منه همة عالية تتناسب مع ذلك المطلب العالي للتغلب على نفسه وملذاتها، مع تنقية تلك الهمم من كل شائبة تجره إلى الفتنة والمعصية،وإنما تفاوت الناس بالهِمم لا بالصور والله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم,وحتى يصل الإنسان إلى هذه المرتبة فإن عليه أن يعمل على استقامة صلته بنفسه وبالله وبالناس وبالعالم الذي يعيش فيه. إن العبد المسلم الذي آمن بالله رَبَّا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا,يغتنم الأزمنة والأوقات فيتقرب إلى ربه بالطاعة لعله يفوز بجنة عرضها السموات والأرض,فإن من حكمة الله تعالى أن جعل الدنيا مزرعة للآخرة وعنوانا لها , فالإنسان الماهر هو الذي يستثمر عمره في الإكثار من الطاعة والقرب من الله تعالى بالعمل الصالح وما أجمل أيام الطاعة لكي يكثر فيها الناس من البر وحسن الخلق فالمسلم يتصف بالخلق الحسن تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن كما أجابت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلقه ,وأنه ربط الأخلاق بالإيمان عندما سئل:أي الناس أكمل إيمانا قال :أحسنهم أخلاقا, فالأيام تمر مر السحاب وسريعا ما تنقضي وتبقى منها الذكريات والعبر فإما أن تكون شاهدة للإنسان أو شاهدة عليه ,فالمسلم الحق الذي يغتنم أيامه ولياليه في طاعة الله تعالى ,فيبقى له العمل الصالح الذي يصعد إلى الله فيكون حجة له يوم القيامة يدافع عنه ويكون وسيلة لنيل أعلى الدرجات عند الله تعالى , فأفضل الأعمال أدومها وإن قل فليست العبرة بالكم وإنما العبرة بالكيف وبمدى قربك لله تعالى وامتثالك أوامره والإذعان له بالطاعة في كل وقت وحين ، والإكثار من ذكر الله تعالى في كل أوقاتك تستثمر أيامك في ذكر الله والتقرب إليه ,فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمته بقوله:جددوا إيمانكم قيل : يا رسول الله ,وكيف نجدد إيماننا ؟ قال أكثروا من قول لا إله إلا الله ,فالمسلم يستعين على تقوية روحه وإصلاح نفسه بضروب من العبادة والذكر يقوم بها لله طائعا مخبتا قانتا وبذلك ترهف نفسه ويرق شعوره وتتيقظ حواسه فإذا هو في غالب الأحيان يقظ منتبه,مراقب لله في السر والعلانية ,مستحضرخشية الله ومراقبته إياه ولا يحيد عن الحق ولا ينحرف عن جادة السبيل ,حتى يكون من الذين قال الله تعالى فيهم أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما.فإن الناس مختلفون في بناء أنفسهم وتأسيسها وتربيتها اختلافا بينا، يظهر ذلك جليا في اختلافهم في استقبال المحن والمنح،والإغراء والتحذير والنعم والنقَم والترغيب والترهيب،والفقر والغنى فمنهم سابق للخيرات وهو من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان فربى نفسه على الطاعة والقرب وأدبها في البعد عن المعاصي والملذات,فهذا لا تضره فتنة ولا تزعزعه شبهة ولا تغلبه شهوة ،صامد كالطود الشامخ فَهِم الحياة نعمة ونقمة يسرا وعسرا، ثم اجتهد في التوازن بين هذا وذاك لأنه علم أن كل شيء بقدر وأن مع العسر يسرا فضبط نفسه في الحالين ,فلم يحزن على ما فات ولم يفرح بما هو آت, فتجده راضي النفس مطمئن الفؤاد هذا هو السابق إلى الخيرات ذو قيم ومبادئ كريم النفس صافي القلب،ولكن هذا الصنف قليل وما ضره أنه قليل لأنه هو العزيز والسر في عزته الإيمان،الذي إذا خالطت بشاشته القلوب ثبت صاحبه واطمأن وضرب بجذوره فلا تزعزعه المحن،ولا تؤثر فيه الفتن بل يزرعالخير ويجني الفوائد ,فتجده مؤمنا بالله حق الإيمان ،وثيق الصلة به دائم الذكر له والتوكل عليه والاستعانة به، يستمد منه العون مع أخذه بالأسباب ،فيكثر من الطاعات لله تعالى فتحسن أخلاقه فيتعهد نفسه ويبني كيانه الجسمي والعقلي لأنه ليس مكونا من جسم و عقل فحسب ,وإنما يدرك أن له قلبا يخفق وروحا تهفو ونفسا تحس وأشواقا عليا تدفعه إلى السمو والاستغراق في عالم العبادة والتطلع إلى ما عند الله من نعيم والخشية مما لديه من أنكال وجحيم.