10 أكتوبر 2025
تسجيلشكلت علاقة الصداقة الخاصة جدا بين الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ووزير دفاعه ونائبه وموضع ثقته حتى 5 يونيو 1967 المشير الراحل عبد الحكيم عامر، جزءا مهما وفاعلا من التاريخ المصري المعاصر، وانطبعت مكوناتها وطبيعتها وتداخلاتها على مصير بلد ما زال يعاني من التداعيات المرة التي أفرزتها هزيمة يونيو والتي كان أحد أهم أسبابها التطاحن والصراع الخفي بين الرئيس والمشير!! ثم نهاية الطرفين فيما بعد بطريقة غامضة ولكنها مأساوية بمطلق الأحوال، يعود التاريخ المصري المعاصر من جديد من خلال البوابة التلفزيونية وتحديدا مسلسلات رمضان التي يختلط فيها الحابل بالنابل، فبين مسلسلات (التحشيش) وعصابات المخدرات!، وبين تلك التي تتناول حياة الراقصات والمطربات!، يأتي مسلسل (صديق العمر) المأخوذ عن قصة ممدوح الليثي (الرئيس والمشير) ليضيف لليالي رمضان أبعادا خاصة ومختلفة مع العلم بأن الغالبية العظمى من مشاهدي المسلسلات في الشهر الكريم لا علاقة لهم بالتاريخ بل لا يعرفون شيئا عن عبد الناصر أو عبد الحكيم أو حسنين هيكل أو الراحلة برلنتي عبد الحميد!، ومع ذلك وفي ظل العزوف عن القراءة يظل التلفزيون مصدر المعلومات والثقافة لدى قطاع كبير من الجمهور العربي!، القصة شائكة ومعقدة ولا تخلو من إثارة وتشويق لأنها في حقيقتها قصة الانقلاب العسكري الذي أطاح بعرش أسرة محمد علي في 23 يوليو 1952! وهي قصة التسلط العسكري بكل فصولها المرعبة وصراع الضباط الدموي على السلطة، وهي قصة الغدر بقائد الانقلاب ورئيس الجمهورية المصري الأول اللواء محمد نجيب والذي كان عبد الحكيم عامر من المقربين له ومن أوائل الذين غدروا به لصالح عبد الناصر!، إنها قصة صراع الضباط الشباب في العالم الثالث على السلطة والجاه والنفوذ والنساء وتمدد السلطات العسكرية في كل زوايا الحياة بدءا من مصادرة الأراضي لشؤون كرة القدم!! لأمور الفن والسينما وحتى الصحافة!. إنها قصة تفضيل أهل الولاء على أهل الخبرة في القيادة وما أورثه ذلك الوضع الشاذ من هزائم ونكسات كارثية!! كما أنها قصة الجنرال الذي يخاف من الانقلابات العسكرية ضده ليقوم بتعيين صديقه ورفيقه وموضع سره كعين على الجيش ثم ليحاول استغلال ذلك الوضع للصعود وتغيير المعادلة!!. قصة مسلسل صديق العمر هي قصة الفشل المريع الذي تسبب به ضباط انقلاب يوليو في مصر وما سببوه من خسائر مروعة للشعب المصري من خلال التجارب الفاشلة والحروب الخاسرة في 1956 و1967 وفي ملف الوحدة المأساوي مع سوريا (1958/1961)، ودور تكتلات الضباط في قيام دولة المخابرات وفي تكميم أفواه الصحافة المصرية وفي وضع مصر وشعبها على سكة الندامة!!.. إنها قصة المعتقلات الصحراوية والسجون الحربية، وحفلات التعذيب البشعة التي كان جلاوزة المخابرات في مصر لا ينتشون إلا على إيقاعات دماء وآهات وأنات المعذبين من أبناء الشعب المصري الذين عاشوا فعلا سنوات الجمر على إيقاعات الإعلام المزور الذي يصور الهزيمة الكارثية على كونها مجرد نكسة!! كما فعل البكباشي محمد حسنين هيكل!!. قصة الصديقين جمال وحكيم هي مرآة عاكسة لسنوات عجفاء عاشها الشعب المصري وهو يمضغ الدعايات الحكومية ويعيش على الأكاذيب وأوهام مجتمع الكفاية والعدل وحقيقة طحن عظام البشر في مفرمة المخابرات وأمن الدولة، ثم لتنتهي الحكاية بضياع سيناء وتدمير الجيش المصري من دون قتال حقيقي وتحطيم سلاح الجو بالكامل وليحمل المشير المسؤولية للرئيس، فيما يرد الرئيس بتحديد إقامة المشير واعتقاله وعزله قبل قتله بسم (الأكونتين) المأخوذ من مكتب مدير المخابرات صلاح نصر والذي تمت الإطاحة بدولته أيضا!!. السؤال المهم والمركزي يتمحور حول ما إذا كان بإمكان المسلسل قول الحقيقة العارية والإجابة على السؤال الخالد.. من المسؤول؟. الجواب بكل تأكيد سيكون عائما وهائما ومعلقا في الهواء لأن العلاقة الخطرة التي كانت قائمة بين الرئيس والمشير هي أكبر بكثير من أن يتحمل مسلسل تلفزيوني يتابعه جمهور لا يعرف عن التاريخ شيئا الإجابة عليه. إنه تسطيح لتاريخ معاناة الشعب المصري الطويلة.