19 سبتمبر 2025

تسجيل

يسوء التقدير فيسوء التدبير في عالمنا اليوم!

30 نوفمبر 2020

أنتقل هذه الأيام كأغلب الناس من قناة تلفزيونية إلى أخرى ويدي على زر جهاز التحكم (الريموت) تكاد ترتعش من هول الأحداث المحيطة بنا، وبارك الله في صديق على الفيسبوك ذكرني بهذه الحكمة التي قالها العلامة عبدالرحمن بن خلدون منذ قرون وهو ينعت ممارسات الأمم وحكامها بالقول إنه إذا ساء التقدير وفسد التفكير ساء التدبير، أي أن بعض الشعوب تخطئ تقدير حالتها وتلغي ملكة التفكير فيها يكون مصيرها سوء التدبير. فانظر حولك أيها القارئ الكريم ترى الشرق الأوسط يتخبط في معضلات رهيبة كللتها هذا الأسبوع جريمة اغتيال عالم إيراني من أكبر علماء عصره رحمه الله محسن فخري زاده على أيد معروفة دون أن توقع جريمتها أو تعلن تبنيها، وهي عملية خبيثة هدفها مبرمج مسبقاً تتسابق فيه دولة إسرائيل مع الأحداث قبل أن يغادر حليفها الأكبر ترامب البيت الأبيض بأيام قليلة فيكون حسابها كالآتي: طبعا تكتشف الجمهورية الإيرانية أن مجتمعها مخترق من قبل الموساد وهو المجتمع الذي حصنه حكامه منذ 1979 بالحرس الثوري، لكن لعبة المخابرات الإقليمية والدولية لا تعترف بالحدود، ويمكن لها أن تضرب رأساً في القمة العلمية والعسكرية في لحظة غفلة، بينما الواقع يقتضي المزيد من الحيطة والحذر والعالم شاهد وسمع كيف أشار نفس رئيس حكومة إسرائيل إلى محسن فخري زاده بالاسم والصفة عام 2018 ووضعته مخابراتها على رأس قائمة المستهدفين كما استهدفت زملاء له من قبل بطرق مختلفة!. المخطط المبرمج إسرائيلياً مع حليفها القوي المؤقت هو جر إيران إلى رد الفعل بسرعة ربما بضرب جنود أمريكان في العراق قبل أن ينسحب ترامب فتكون الولايات المتحدة مضطرة للحرب وقصف منشآت نووية إيرانية وتنتهي أخطر مرحلة من مراحل وضع اليد الإسرائيلية على كامل مقدرات الشرق الأوسط بعد تطبيع أنظمة عربية معها وفتح أبواب التعاون ثم التحالف معها على أسس جديدة تلغي قضايا العرب وتصفي نهائياً قضية فلسطين بما يسمى صفقة القرن قبل أن يدخل الرئيس المنتخب (جو بايدن) المكتب البيضوي ويشرع في ما أعلنه من تصفية تركة سلفه ترامب في جميع المجالات بدءاً من قضايا الشرق الأوسط وانتهاء بملف النووي الإيراني على أساس المعاهدة الموقعة عام 2015 والمصادق عليها أممياً ودولياً وهي التي انسحب منها ترامب معوضاً إياها بفرض عقوبات عشوائية على إيران لم تزد إيران في الحقيقة إلا حرصاً على متابعة برنامجها النووي السلمي المدني!. وحين تعلن طهران أنها سترد على الجريمة بطريقة ذكية فهي تعني أنها تفطنت إلى المخطط الجهنمي المعد لها كفخ تاريخي قادر على تغيير كل قواعد اللعبة الدولية تماما وبأقل التكاليف، ثم إن الأوضاع الإستراتيجية للدول الشرق أوسطية اليوم تنذر بإمكانية تطبيق المخطط فانظر إلى عقيدة الجيش المصري التي تغيرت من اعتبار العدو التاريخي هو الاحتلال الإسرائيلي إلى اعتبار إيران هي العدو، بينما احتلال أجزاء من مصر وسبق منذ العدوان الثلاثي على مصر ذاتها عام 56 أن احتل سيناء وضفة قناة السويس وكان عام 1973 يحتل نصف مصر فيما يسمى الكيلومتر 101 مهدداً بالاستيلاء على القاهرة بقيادة (أريال شارون) لو لم توافق مصر يومئذ على قرار وقف إطلاق النار!، إنه التاريخ القريب ولم تنفرج أزمة مصر وأراضيها المحتلة إلا بانعراج محمد أنور السادات رحمة الله عليه نحو المخطط الأمريكي وزيارة الكنيست وعرض السلام على إسرائيل في كامب ديفيد!، وبدأت عمليات السلام المغشوش بين الدولة العبرية وما تبقى من منظمة التحرير بمفاوضات أوسلو ثم مدريد واعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل مقابل لا شيء أو ما يقارب اللاشيء فالتجأ أبو عمار وصحبه إلى (حي المقاطعة برام الله) قبل أن يهدمه (تساحال) على رؤوسهم ثم يغتالون ياسر عرفات بالبولونيوم ويبدأ مخطط انكفاء الوجود الفلسطيني تدريجياً ببرامج توسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل وقبول هدية ترامب إلى إسرائيل (بيت المقدس) كعاصمة أبدية وغير قابلة للتقسيم ولا للتفاوض لدولة يهودية كما خطط لها عام 1897 تيودور هرتزل في مؤتمر (بازل) بسويسرا في كتابه (الدولة اليهودية). سوء التقدير بالمعنى الخلدوني نجده أيضا في أوروبا وفي فرنسا بالذات التي تشهد نزول الجماهير الفرنسية للشوارع احتجاجاً على المنعرج اليميني المتطرف المبرمج في قانون الأمن الشامل مما ينذر بأخطار قادمة تهدد السلام الأوروبي بقدوم النزعات شبه الفاشية بخطى سريعة إلى دفة الحكم في الاتحاد الأوروبي، وهي قضايا تهم العرب وتنعكس بالضرورة على البحر الأبيض المتوسط بحيرتنا المشتركة الخالدة. كاتب تونسي [email protected]