29 أكتوبر 2025
تسجيللا شك أن الحديث عن الإصلاح، والانفتاح السياسي والإعلامي، أصبح في حكم الضرورات في عالمنا العربي، سواء كان هذا التوجه أملته التحولات السياسية الراهنة، أو اقتضته الاحتياجات الجديدة لمجتمعاتنا، أو استجابة لمتطلبات المرحلة، وهو فوق ذلك مطلب شعبي عارم لإبعاد الاحتقان السياسي، الذي أصبح في بعض الدول مشكلة حادة تحتاج إلى حلول أخرى غير الحل الأمني الوحيد. والكلام الكثير عن الإصلاح الذي كان الحديث عنه ملحا، خاصة بعض الدول التي تعاني مشاكل داخلية منذ السنوات ولا تزال، حتى تبعد المنطقة العربية عن المشاريع التي يخطط لها في الخارج لزيادة المشاكل وتفاقمها، أو غيرها من المشاريع التي أطلقتها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لم يحقق الاستجابة الشعبية. فالإصلاح الداخلي لا خلاف عليه كأحد المطالب الإيجابية الناجعة لأي إصلاح ناجح في مجتمعاتنا العربية، فإذا كان الإصلاح الخارجي لا يمكن أن تتقبله الشعوب لأسباب فكرية وثقافية وحضارية، فإن تحركنا للإصلاح الذاتي، هو الحل البديل للمشاريع الخارجية.والتجسيد الحقيقي لرغبات الشعوب التي يهمها التوافق الإيجابي مع أصحاب القرار لإبعاد أي دعوات خارجية لفرض الإصلاح. ومن الحق أن نذكر أن الغرب، تفّهم الآن بعد الثورات في العالم العربي، أن الفرض والإجبار، لا يمكن أن يحقق إصلاحا مرغوبا من الشعوب، ولذلك، بدأت الآن في الكثير من الدول في الغرب يطرح رأيا معتدلاً وإيجابياً، تجاه مسألة الإصلاح من الداخل، وهذا اعتراف واضح بأن الإصلاح المفروض والقسري على الشعوب لن يحقق الإصلاح المنشود، بل الإصلاح الذاتي يأتي من قناعات الشعوب، واختياراتها، في الحديث الذي جاء من الآخر تجاه الإصلاح قديما، ظهرت في محتوياته نغمة الأبوية والإلحاق لفرض الأنموذج الغربي الثقافي والحضاري، وعدم الالتفات إلى الخصوصيات الحضارية، بغض النظر عن المسميات، سواء كانت ديمقراطية أو شورى. وهذه استجابة لثقافة الآخر وميراثه الحضاري واختيار الحر فيما يتعلق بالإصلاح الداخلي الذي كما قلنا أصبح من الضرورات والمطالب المهمة في عالمنا العربي، فنجاح الإصلاح يتوقف على البلدان العربية، والتغيير لا ينبغي ولن يكون فرضه من الخارج. ومن الآراء التي تطرح في الغرب أن كل بلد يمتاز بفرادته وينبغي احترام التنوع فيه، ويجب أن يستجيب للظروف المحلية، وسيتوصل كل مجتمع إلى استنتاجاته الخاصة به بشأن وتيرة التغيير ومداه. ومع ذلك، فإن التمايز، رغم أهميته، يجب ألا يستغل لمنع الإصلاح، كما أن دعم الإصلاح سيشمل حكومات وقادة أعمال ومجتمعات مدنية من المنطقة كشركاء كاملين في جهدنا المشترك.إن دعم الإصلاح في المنطقة، لمنفعة كل مواطنيها، إن ثمة تغيراً أوروبياً وربما أمريكياً من خلال مؤسسات المجتمع المدني تجاه العرب والمسلمين، وقد خفت حدة الحملات العدائية التي نتجت عن المرحلة السابقة التي أفرزتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، خاصة بعد توالي الانتقادات الكبيرة في الغرب إلى نتائج ما خلّفه غزو العراق من صراعات داخلية، وبروز جماعات التطرف والتكفير في العراق وسوريا. وهذا ما يجعل خطوات الإصلاح الآن مقبولة داخلياً ومدعومة خارجياً، خاصة الانفتاح السياسي، والبعد عن القمع والاستبداد والحلول الأمنية دون الحلول الأخرى الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الحلول التي تسهم في الاستقرار والعيش الكريم للمواطن. إن أوروبا تتغير إيجابياً تجاه العرب وقضاياهم العادلة، وعلينا أن نستثمر هذا التغيير أو على الأصح هذا التوجه لإعادة الثقة من جديد مع هذه الدول المؤثرة لدعم قضايانا، خاصة في فلسطين، نعم هناك مراجعة إيجابية لشرائح مهمة في الغرب تجاه العرب والمسلمين، وعلينا أن نقوم بالاتصال والتحرك لتغيير الصورة السلبية (المصنوعة) التي غذاها اللوبي الصهيوني في أوروبا واستثمارها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بصورة كبيرة وخطيرة.كما أن أصوات المدافعين عن العرب والمسلمين ترتفع بالتدريج في الغرب ـ وبدأ توجه آخر ـ يدعو إلى المراجعة وإنصاف العرب والمسلمين ورفع المظالم عنهم والقهر والاحتلال والدعوة إلى بناء الجسور وإقامة الحوار والتفاهم معهم وحل المشكلات العالقة، لاسيما الأحكام المسبقة على العرب والمسلمين التي جعلت بعض الأحكام وكأنها حقائق مفروغ من صحتها، مع أنها نتاج حروب وتوترات وصراعات في بعض مراحل التاريخ، وتتم استعادتها، هذه الأحكام، مع كل مشكلة تطرأ على العلاقة بيننا وبين الغرب. من هنا فإن الإصلاح أصبح واقعا، وتفعيل الإصلاحات المؤجلة ومنها مسألة الديمقراطية والتعددية والانفتاح على كل الآراء والاجتهادات، لأنها ـ كما نعتقد ـ البلسم الشافي لكل الاحتقانات القائمة في بعض المجتمعات العربية.إن الغرب نجح عندما اختار الديمقراطية والتعددية واستطاع أن يبعد كل المشكلات الداخلية بسبب النموذج الانفتاحي والشفافية وتعزيز المجتمع المدني.صحيح أننا لا نقر بعض ممارسات الغرب في الحرية المطلقة والانفتاح غير المقنن البعيد عن القيم الدينية والأخلاقية، لكن الإصلاح الذي ننشده لا يدخل ضمن هذه المنطلقات المتبعة في الغرب، فلكل شعب تقاليده وقيمه الأخلاقية يضعها في دساتيره وأنظمته وقوانينه ولذلك النظرة.إن الإصلاح الداخلي يعتبر قضية القضايا الآن، والتأجيل والتأخير في هذا الإصلاح والمراجعة للكثير من السياسات التي تحدث في بعض الدول، وتفاقم المشاكل وبروز التطرف والإرهاب الذي أصبح يهدد استقرار الكثير من المجتمعات، ربما يكون ذريعة للتدخلات الخارجية التي تريد منفذا للعب على قضايا غياب الإصلاح والديمقراطية (مسمار جحا) لتضخيم المشكلات وحتى تأجيجها، بهدف فرض ما تراه مدخلا لتحقيق أهدافها في فرض ما يحقق أجندتها الإستراتيجية على المدى البعيد.