21 سبتمبر 2025

تسجيل

ميدان التحرير لم يعد يتحكم في الشارع

30 نوفمبر 2011

جاءت الأحداث الأخيرة التي وقعت يوم 19 نوفمبر والأيام التالية لتشير إلى مجموعة من التغييرات التي طالت رموز الثورة المصرية بعد مرور ما يقارب العشرة أشهر على اندلاعها. وكان من أبرز تلك الرموز هو ميدان التحرير، الذي كان خلال الثورة القائد الرئيسي لأحداثها والموجه لتطوراتها المتلاحقة التي فاجأت الجميع حتى الثوار أنفسهم. كان الميدان حينها يقول فتسمع له باقي ميادين مصر، ويطلب فيستجيب له أبناء الشعب. وليس أدل على ذلك من التظاهرات المليونية التي كان يدعو لها الميدان لثلاث مرات في الأسبوع، ثم أصبحت تتم بشكل يومي ودون دعوة بعد أن أصبح الميدان قبلة المصريين المتشوقين إلى عهد الحرية والديمقراطية. لكن بعد نجاح المرحلة الأولى للثورة تغيرت الأوضاع، ولم يعد الميدان على حاله بعد أن امتهنه البعض وأفقدوه تأثيره الحاسم في مواجهة الجميع. وكان السبب في ذلك أن من وحدهم الميدان تفرقوا شيعا متقاتلين على غنائم الثورة. وكان الميدان هو أحد تلك الغنائم التي تقاتل عليها الجميع من أجل السيطرة عليه والادعاء أنهم دون غيرهم من يمثلون هذا الميدان. وبمرور الوقت، كان الميدان يفقد تأثيره أكثر وأكثر. وقد ظهر ذلك واضحا في الدعوات للتظاهرات المليونية من قبل التيار العلماني الذي أراد الالتفاف على إرادة الشعب بعد أن جاءت نتائج الاستفتاء على طريق التحول الديمقراطي لغير صالحه. فعمل جاهدا على استخدام الميدان في حشد المصريين مرة أخرى من أجل محاولة تغيير هذه النتائج واعتماد الخطة التي وضعها لتكون هي الطريق البديل الذي يبدأ بوضع الدستور أولا قبل إجراء الانتخابات، لأنه كان يعلم علم اليقين أنه الخاسر الأكبر في حال إجراء هذه الانتخابات ولذلك سعى إلى إلغائها بكل طريقة ممكنة. وكان للتيار الإسلامي أيضا دوره في امتهان الميدان حينما استخدموه لاستعراض قوتهم في موجهة التيار العلماني، لإرسال رسالة واضحة لذوي الشأن أنهم الحصان الرابح وأنهم لن يسمحوا للآخر بقطع طريق وصولهم للسلطة. في ظل هذا الامتهان المتواصل للميدان، فقد أهم أسلحته وهي حشد المصريين خلف هدف واحد. وظهر ذلك بشكل جلي في الأحداث الأخيرة. فحينما تم التنادي للنزول إلى الميدان من أجل مواجهة بطش قوات الأمن ضد المعتصمين والمحتجين المدافعين عن كرامتهم، لم يصل الحشد إلى تلك الصورة التي زينت الميدان خلال ثورة يناير، حينما كان يفيض بالناس إلى الشوارع الجانبية وكانت الأعداد تتعدى رقم المليون إلى أضعافه مرة واثنتين وثلاث وربما أربع. وحتى من نزلوا في يوم التنادي للتظاهرة المليونية لم يرجعوا مرة أخرى، وبقي في الميدان عدة آلاف كانوا يسعون بكل قوتهم إلى استجلاب الحشد من خلال الاندفاع إلى الاشتباك مع قوات الأمن، فربما هذا يدفع بالناس إلى النزول مرة أخرى. وحتى يوم التظاهرة المليونية نفسه، كاد الأمر يتحول إلى مشكلة كبرى لمن دعوا إليها حينما انتصف النهار ولم يكن في الميدان سوى عدة آلاف. فلجأ المنظمون إلى حيلة جديدة تمثلت في جلب جثة أحد الشهداء من المستشفى لتشييعه في الميدان وهو ما نجح في زيادة عدد الذاهبين إليه .. لكن أبدا لم يكن الأمر كسابق عهده. وفضلا عن عملية الامتهان التي جرت للميدان وكانت السبب في فقده لقيمته كأحد رموز الثورة، هناك أسباب أخرى دفعت المصريين إلى عدم الاستجابة لدعوات الاحتشاد، أهمها أنهم عانوا كثيرا بعد الثورة، خاصة في أمنهم ومعيشتهم، وليسوا على استعداد لمقايضة ما تبقى منهما من أجل طموحات المحتشدين في الميدان. فهذه الطموحات تعني بكل بساطة إخراج المؤسسة العسكرية من معادلة الأمن والاقتصاد، وهو ما يعني حدوث تدهور غير مسبوق فيهما. الأمر الثاني يتعلق بفطنة الشعب المصري الذي يعلم أن تحقيق أهداف ثورته لن يتم سوى من خلال تسليم السلطة لمؤسسات مدنية عبر آليات واضحة تتمثل أساسا في العملية الانتخابية بشقيها البرلماني والرئاسي. وأن أية محاولات لتعطيل هذه الآلية معناه عدم تحقيق أهداف الثورة. ما يحدث في الميدان ما هو إلا محاولة من قبل التيارات التي لا تريد إتمام العملية الانتخابية لأنها تعلم أنها الخاسر الأكبر من إتمامها. لذا لم يستجب الشعب لدعوات الميدان لأنها لا تحقق ما يسعى إليه. وخرج بعشرات الآلاف، إلى ميادين أخرى أصبحت منافسة لميدان التحرير كميدان العباسية وميدان روكسي، من أجل إعلان التأييد للمجلس العسكري وخطته لتسليم السلطة.