14 سبتمبر 2025
تسجيلأحياناً تغشاني نوبة كرم وأدب، وأقوم بأشياء بسيطة أعرف أنها تدخل السرور في قلب زوجتي، كأن أقوم بترتيب أشيائي الخاصة، وعدم إلقاء ملابسي المتسخة على السرير فور العودة إلى البيت، وقد يكون ذلك بالتخلص من المجلات القديمة المكومة في مختلف أرجاء غرفة النوم، ولكن وفي أحيان كثيرة أتسم باللؤم وأمارس فوضى أعرف أنها ستتحمل عبء تصحيحها! هو ليس لؤم متعمد، ولكنه بعض جلافة ذكورية تعتبر الاهتمام بأمور النظام والترتيب في البيت شأنا نسائيا. لماذا نقوم أحياناً بجرح مشاعر أناس عزيزين لدينا؟ لماذا نحرم أحياناً عيالنا من أشياء بسيطة لأن "مزاجنا عكر وخلقنا ضايق"؟ يريد أحدهم أن تقوم بتوصيله إلى بيت أحد الأقارب أو الأصدقاء فننفجر في وجهه: كفى صياعة وصرمحة والزم البيت! أنا مش سواق عند أبوك (ولكن أنت الأب، ويذكرني هذا بالأب الذي يشتم ولده قائلا: يا ابن الكلب). أعرف مثلاً أن زوجتي تفرح بهدايا رمزية تافهة القيمة المادية، ولكنني لا أكلف نفسي أن "أجبر بخاطرها"، وقد أعود إلى البيت عشرات المرات محملاً بأشياء يحبها عيالي، دون أن يخطر ببالي أن أشتري لها شيئاً خاصاً بها! وأحياناً أجد نفسي أتجاهلها وهي تتحدث معي، ولا أفعل ذلك بقصد إيذاء مشاعرها، ولكنني أؤذي مشاعرها على كل حال بتجاهلها، لأن الأصول تقضي بأن أترك ما أنا فيه لبضع ثوان لأصغي لما تقوله! لماذا تحادث زميل دراسة هاتفياً مكالمة تكلفك الشيء الفلاني، ويفوت عليك أن تهاتف أمك التي لا تمر بها ساعة دون أن تفكر في حالك وأحوالك، أو أحد إخوتك بربع ذلك المبلغ؟ لماذا أشتري سيارة بآلاف مؤلفة، وأسعد بذلك، ثم أقيم الدنيا وأقعدها لأن الولد يطلب سيارة بخمسين بريموت كونترول ويجد فيها أضعاف السعادة التي أجدها في اقتناء السيارة أم كذا ألف مؤلفة؟ بل وأعاتب الطفل: إلى متى تلعب بالسيارات؟ (ولا تسأل نفسك: إلى متى تلعب بالفلوس وتتخلص من سيارة معافاة لتشتري أخرى كشخة؟) لماذا "أتعنتر" وأحلف بالطلاق لدفع حساب الطعام الذي تناولته مع أصدقائي في مطعم ويكلفني ذلك المئات وأتعنتر على عيالي إذا طلبوا أن أصطحبهم إلى مطعم "الشمس الباردة ليخرجوا من رتابة الأكل المنزلي؟ لماذا أكسر إشارة المرور الحمراء، وأعرض حياتي وحياة غيري للخطر بينما الإشارة ستعود خضراء بعد دقيقتين على أبعد تقدير؟ ولماذا أتعمد مضايقة من يكون خلفي بسيارته ويغمز لي بإشارة ضوئية، بأنه يريد أن يجتازني لأنه يتعجل الوصول إلى غايته؟ ولماذا أدير وجهي إلى جهة بعيدة عن عيني من يقف بسيارته في شارع جانبي ويريد دخول الشارع الرئيسي من ناحية سيارتي في يوم يشهد ازدحاما مروريا شديدا في الشارع الرئيسي؟ عيوبي وعيوبكم كثيرة، ولكن يا ويل من يحاول أن ينبهنا إليها، أشياء بسيطة لو أخذنا بها في الاعتبار لطابت النفوس وزال الكدر منها! أحياناً نستخسر إلقاء التحية على من يمرون بنا ونعرفهم ويعرفوننا، ومنا نفر يعتقد أن تحيته للناس اللي تحت "تنازل" غير لائق، وهؤلاء لا يردون التحية إذا صدرت من شخص يعتبرونه "دون المستوى"، وأعترف بأنني استمتع بتجاهل مثل هذا الشخص الذي يعتقد أنه سيخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا، وأعرف أن تجاهلي له يهري كبده و "يفقع" مرارته، لأنه يعتقد أنه وحده مخول بتجاهل الآخرين، وإذا كان لي زميل عمل متعنطز فإنني أتلذذ بتذكيره بأنه من تراب،... جرب هذه الوصفة مع شخص مغرور يتعالى عليك وعلى غيرك، وسيفقد أعصابه ويسألك يوماً ما: لماذا أنت شايف حالك ومنفوخ؟ قل له الجملة التالية وسيصاب بانهيار عصبي: أنا ابن من سجدت له الملائكة!! سيصيح مستنكراً: أنت يا مبهدل يا عديم الأصل والفصل سجدت الملائكة لأبيك؟ قل ببرود: نعم، أنا ابن آدم يا جاهل! [email protected]