12 سبتمبر 2025

تسجيل

ولكم في الأيام عبرة

30 أكتوبر 2014

إن حياة الإنسان بالنسبة إلى فئة من الناس ارض طيبة تؤتي خير الثمار وبالنسبة إلى فئة أخرى لعب ولهو يورث الندم والضياع، لذلك يتعين على الإنسان أن يشعر بمسؤوليته تجاه وقته ويستوعب في نفسه وعقله قيمة الوقت ولا نكون بين هذا وذاك من الغافلين، فأيام الله بين الناس دول فعام يمضي وعام يأتي والناس في غفلة إذا ماتوا انتبهوا، فيحاسب الله الناس على كل صغيرة وكبيرة لا يخفى على الله شيء، سبحانه هو القاهر فوق عباده، فهل نعتبر بالأيام ونحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبنا جبار السموات والأرض، فما من يوم يمر إلا ويذهب معه جزء من عمر الإنسان وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي «يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود» ومع هذه الأيام المباركة وبداية عام هجري جديد وتطوى صفحة العام الماضي حينئذ يتذكر المسلمون في بقاع المعمورة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهجرته تعد نصرة للأمة فمنها يستقي المسلم بعض الدروس التي يستفيد منها في حياته فيستمد منها القيم والمثل العليا والآفاق التربوية، التي تكون نورا يضيء له طريقه ومعبرا يوصله للجنة.. يقول الله تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب:21. فإن الإسلام دين يعرف قيمة الوقت ويقدر خطورة الزمن فيجعل من دلائل الإيمان وإمارات التقى أن يعي المسلم هذه الحقيقة ويسير على هداها يقول الحق (إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون) فالإنسان معلق بين الحياة والموت بنفس يتردد والحياة في البدء والمنتهى بيد الله وحده، يقضي بما يشاء ويحكم ما يريد، بيده الأمر يهب الحياة للأحياء ويسلبها متى يشاء، يفعل ما يريد ويحكم بما يكون ولا يكون إلا ما أراد، فلقد جعل الله تعالى للإنسان وقتا محددا وعمرا معدودا وأمره أن يستغل أوقات عمره في عبادة الخالق سبحانه وتعالى، وإن في انقضاء الأيام ومرور الأعوام عبرة للإنسان بأن هذه الدار فانية وأنها سريعة الانقضاء وقريبة الزوال، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، فليعش كل مسلم صادق مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، يتعلم القيم والآداب والأسس السليمة التي قام عليها بناء المجتمع الإسلامي، الذي استطاع أن ينير مشارق الأرض ومغاربها، وذلك من خلال هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحسن التوكل على الله يقول الله تعالى: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) آل عمران:122 النبي صلى الله عليه وسلم ينشر النور في بقاع مكة وأرجائها ويبلغ رسالة ربه وقريش لم تزدد إلا عنادا وهجرا، فيترصدون للمسلمين الضعفاء وينزلون بهم اشد انواع العذاب ونفس الحبيب تتقطع ألما على أصحابه، وتأتي اللحظات الحاسمة وينطلق لسانه إليهم بالفرار بدينهم إلى أرض يأمنون فيها بعد ان أعد لهم جوا مناسبا في يثرب، ونجحت دعوة الإسلام في تأسيس موطن آمن لهم فيقول لهم: "إن الله عز وجل جعل لكم اخوانا ودارا تأمنون بها". فينطلق الصحابة رضوان الله عليهم ممتثلين أمر النبي صلى الله عليه وسلم متوكلين على الله عز وجل تاركين بيوتهم وأموالهم وأهليهم فرارا بدينهم، فهم على استعداد لبيع الغالي والنفيس تلبية لنداء العقيدة. ولم يبق في المدينة سوى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق والبطل المقدام علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والرسول ينتظر الأمر من ربه بالهجرة، وفي هذه الأثناء كان النبي صلى الله عليه وسلم يحسن الاستعداد متوكلا على ربه مقدما اسباب النصر فهو يجلس في احد اركان حجرته وينتظر حلول ساعة خروجه، وهو بين الحين والحين ينظر إلى الخارج فيرى رجال قريش وقد أحاطوا بداره من كل جانب مدججين بالسلاح وهم يرقبون ويترصدون كل حركة حول المنزل، وبعضهم يتطلع من وقت لآخر إلى مبيت النبي صلى الله عليه وسلم من فرجة في بيته، فيرون في الفراش رجلا نائما فيطمئنون إلى أنه محمد وأنه ينام كعادته قرير العين، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ثم ذاع الخبر في قريش ان محمدا قد ترك مكة دون ان يراه احد وأما النائم في فراشه فقد كان عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه.. بينما أبو بكر رضي الله عنه أخذ يزداد خوفا فيقترب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلصق نفسه به، فيهمس النبي صلى الله عليه وسلم في أذنه يطمئن الصدّيق رضي الله عنه "لا تحزن إن الله معنا".