20 سبتمبر 2025

تسجيل

عبدالرزاق عبد الواحد نخلة عراقية شامخة

30 أكتوبر 2011

قبل أسابيع احتضنت الدوحة عبدالرزاق عبدالواحد، وهو قامة عراقية شامخة بشموخ نخيل العراق، بل هو من أبرز شعراء العربية في العصر الحديث.. شق طريقه في دروب الشعر العربي الأصيل، وحلق في فضاءات الإبداع المتميز، كيف لا وهو ابن بغداد الذي عشق أجواءها الرائعة والمفعمة بعبق التاريخ وأريج الزمان والمكان، وأمجادها الضاربة جذورها في أعماق الكرامة والخلود. أمضى سنوات عمره المبكرة في محافظة بيسان قبل أن يعود إلى مسقط رأسه بغداد ليواصل دراسته المتوسطة ومنها الثانوية والجامعية حتى تخرج من قسم اللغة العربية في دار المعلمين عام 1952 ومنها انطلق محلقا في سماء الشعر الأنيق، يتغنى بأمجاد العراق ونخيلها وبطولات أبنائها، وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية، وتقلد مناصب رسمية ذات علاقة بالثقافة، ومن خلالها أسهم في الحراك الثقافي العربي، وتأصيل قيمه المعاصرة النبيلة، انطلاقا من الإيمان بحرية الإنسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة، وهو من الشعراء الذين احتفت بشعرهم الأوساط الأدبية العالمية، فترجمت أعماله إلى العديد من لغات العالم، كما اختارته كثير من المؤسسات الثقافية داخل وخارج العراق لعضويتها، واحتفت به العديد من الموسوعات الثقافية التي ضمت نماذج كثيرة من شعره، وأهله كل ذلك لنيل الكثير من الجوائز والأوسمة والميداليات وحفلات التكريم على المستويين العربي والعالمي، وهو وإن كان شاعرا فذا وباحثا جادا ومناضلا فريدا إلا أنه أسهم في إنعاش الحركة الثقافية على مستوى الوطن العربي من خلال مناصبه الرسمية، وكانت دائما ذات علاقة بالثقافة والمثقفين، وهو من الشعراء الذين يتغلبون على همومهم الخاصة ليصنعوا منها أملا في الغد المشرق، فظل صامدا كصمود نخيل العراق في وجه التحديات الشرسة التي عاشها أبناء دجلة والفرات، وكأنه ذلك الفارس العنيد الذي حفلت به حكايات ألف ليلة وليلة، يحمل تعويذته الأسطورية لعبور المستحيل، بعد ان يصنع من الألم جسورا قوية للوصول للأمل الكبير في انتصار الخير والحق والجمال. عندما التقيت به عقب الأمسية الشعرية التي ألقاها في مسرح قطر الوطني بالدوحة، مساء يوم الأحد 18/9/2011 استعدت معه ذكريات الأيام الخوالي عندما كنا نلتقي في مهرجان المربد العتيد، نتأبط الشعر في حركاتنا وتحركاتنا بين بغداد والمحافظات العراقية الاخرى، يوم كان لبغداد ألقها البهي، وحضورها الثقافي الطاغي، وفي المربد كان اللقاء بعمالقة الشعر العربي ميسورا، والتعرف عليهم سهلا، وعقد الصداقات معهم متاحا.. وتحت خيمة الشعر على مدرجات بابل أو قاعات فندق المنصور، أو أجواء قصر السلام، وفي رحلاتهم إلى البصرة جنوبا والسليمانية شمالا، كان الشعراء يترنمون بأشعارهم، وهم في كل واد يهيمون، بحكاياتهم مع العشق والبراءة، وجولاتهم في الرشيد والسعدون وأبي نواس، وفي المتنبي شارع المكتبات حيث يتسيد الكتاب الزمان والمكان، ثم أمسياتهم على شاطئ دجلة مع المسقوف والنبيذ، والسهر مع الطرب العراقي الأصيل، أو زيارة معارض الفن التشكيلي، وكأن بغداد أضحت معرضا تشكيليا كبيرا تعرض أعمال فنانين من جميع المدارس الفنية والمراحل العمرية، جواد سليم واسماعيل الشيخلي، ويوسف داود ونوري الراوي وخالد القصاب وخالد الجادر وعطا صبري وجبرا إبراهيم جبرا ونزيهة سليم وكاظم حيدر وغيرهم مئات إن لم أقل ألوفا من الفنانين التشكيليين، وخاصة أولئك الذين درسوا الفن التشكيلي في فرنسا، وعادوا ليحدثوا ثورة في الفن التشكيلي العراقي.. وأولئك الذين جمعتهم كلية الفنون الجميلة في بغداد من أساتذة وطلاب. عبدالرزاق عبد الواحد هو ابن تلك المرحلة، بآلامها وأحزانها، وزخم الأحداث في أثنائها، وامتد عطاؤه حتى بعد أن دخلت العراق في نفق الفوضى، بعد سقوط صدام، وقدوم التتار الجدد مما وراء البحار، وشعره ينضح بمرارة الشكوى من واقع أليم، ومستقبل مجهول، ورؤية مضببة لما ينتظر العراقيين من مؤامرات على أيدي طغاة البيت الأبيض الطامعين، في ثرواتها الطبيعية، وفرض نفوذهم في المنطقة، هذا من جهة، وجيرانها الأقربين من جهة أخرى، الذين يشعلون نار الطائفية ويدفعون برياحها الفاسدة لتعصف بكل ما هو جميل ورائع في العراق، من أرض ولود، وإنسان ودود، وخير محمود، وعطاء بلا حدود.