19 سبتمبر 2025
تسجيلالمجتمعات العربية كانت تتأثر بعفوية وترد الفعل بسرعة وتعبئ نفسها للذود عن الثوابت والقيم والمصير العجيب في المشهد الصمت العربي الرسمي الذي أعطى لاحتلال إسرائيل ما يحتاجه من المساندة أثار موقف صاحب السمو أمير قطر من قضية فلسطين في خطابه الثلاثاء أمام الأمم المتحدة عديد التحاليل والتعاليق المرحبة والمؤيدة بتمسك قطر بالحق الفلسطيني، وتعبير سموه عن العزم على مواصلة تقديم الدعم لفلسطين والدفاع عنها، وهو في الحقيقة ما انفردت به دولة قطر، والعجيب في المشهد الفلسطيني منذ سنوات ليس القوة الغاشمة التي تقصف الشعب الفلسطيني وتدك البيوت الآمنة وتقتل الأطفال والنساء آخرها جريمة مصرع امرأة بريئة عزلاء وإعلان نتنياهو أنه سيضم لإسرائيل غور الأردن في حال فوزه ولا العجيب هو الدعم الغربي الجائر الذي يواصل التكفير عن ذنوب الجيل الألماني والفرنسي السابق الذي اضطهد اليهود وأباد منهم مئات الآلاف ما بين 1939 و1945. العجيب في المشهد المرعب ليس أيضا الصمت العربي الرسمي الذي أعطى لاحتلال إسرائيل ما يحتاجه من المساندة السلبية وغلف جريمتها بالنسيان والتطبيع، كل هذه الحالات العجيبة تعود عليها الفلسطينيون وخبروها منذ عقود وتحولت جهودهم إلى تعبئة الداخل وإغلاق باب الانتظار الطويل للذي لا يأتي. وأدرك الفلسطينيون أن ميثاق الدفاع المشترك الذي يزين واجهة جامعة الدول العربية، الذي وقعه العرب في عهد يسميه «التقدميون والجمهوريون» العرب المساكين بالعهد البائد أي عهد الملوك العرب عندما عقدوا العزم في مارس 1945 وأسسوا جامعة الدول العربية واتفقوا على أن يكون أمينها العام الرجل المثقف الوطني العروبي عبدالرحمن عزام باشا وحين علقت العروش العربية تعاونها مع الغرب على شروط العدل الدولي في قمة أنشاص بمصر التي دعا إليها طيب الذكر الملك فاروق ملوك وزعماء العرب في مايو 1946 وأنشدت لهم أم كلثوم قصيدة من شعر حافظ إبراهيم التي يقول في مطلعها: هذي يدي عن بني مصر تصافحكم فصافحوها تصافح نفسها العرب بني العروبة هذا القصر كعبتكم وليس منكم من الحجاج مغترب. والعجيب في مجازر الاحتلال الأسبوعية فيما سماه الحدوديون انتفاضة العودة التي أعطاها الجيش الإسرائيلي عنوان رأس الحربة ليس كما يعتقد المراقبون الدوليون استحلال الدم الفلسطيني وإقامة دولة بلا حدود كشفها الرئيس أردوغان يوم الثلاثاء بالخرائط وكيف تتقلص مساحة فلسطين تدريجياً حتى تختفي تماماً بمؤامرة صفقة العار! العجيب اليوم لم يعد كذلك استعمال القصف بالطائرات ضد القرى والأحياء المدنية في مخالفة إجرامية مبيتة لكل المواثيق الأممية الموقعة وكل نواميس الحرب بحجة التوسع في أراضٍ فلسطينية محتلة أعلنتها منظمة الأمم المتحدة أراضي محتلة وشرعت الدفاع عنها وتحريرها بكل الوسائل المتاحة كأي أرض محتلة، والعجيب ليس كذلك أن يقف الشباب الفلسطيني وحده وبأيد عزلاء في مواجهة أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، فقد كان ذلك حاله منذ 1948 عام النكبة. كما أن العجيب ليس البيانات المرتعشة التي أصدرتها منظمات أوروبية وغربية وحتى عربية تعاتب فقط الدولة العبرية على عدم التلاؤم بين الأسباب والوسائل المستعملة! في لهجة تعودنا أن نسمعها من العنصريين الغربيين وليس من بيت العرب، أما العجيب حقا فهو الفرق بين عرب 1946 وعرب 2019 سبعون عاما تم خلالها القضاء على المجتمعات المدنية العربية التي كانت تتأثر بعفوية وترد الفعل بسرعة وتعبئ نفسها للذود عن الثوابت والقيم والمصير وتناصر الأخوة والأشقاء دون تردد، وأنا أذكر في أيام الطفولة حين تم اغتيال الزعيم النقابي والوطني التونسي فرحات حشاد في تونس يوم 5 ديسمبر 1952 فإذا بمظاهرة عارمة تخرج في الدار البيضاء بالمملكة المغربية يستشهد خلالها على يد نفس الاستعمار الفرنسي خمسة شبان مغاربة ولم تكن لدى الناس لا فضائيات ولا شبكة إنترنت تنقل الأخبار بسرعة اليوم بل حتى حين لم تكن لدى العرب سوى قوافل البعير منذ ألف عام خرج الإمام الدمشقي أبو سعد الهراوي من منبر المسجد الأموي حين سمع بأن الصليبيين دخلوا بيت المقدس وقتلوا المسلمين عام 1099 عاري الرأس حافي القدمين يتجول بين ملوك العرب وقبائلهم داعياً للجهاد والدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين. أو حين خرج عام 1800 البطل الإسلامي سليمان الحلبي من الشام ليصل مصر فيقتل قائد الحملة الفرنسية الاستعمارية على مصر والشام الجنرال (كليبير) بعد أن بلغته أنباء استشهاد علماء وطلاب الأزهر الشريف! أين المجتمعات المدنية العربية التي قاومت الاستعمار وحملات التنصير وكسرت شوكة الطغاة العنصريين؟ لماذا أصبح كل المجتمع في الجمهوريات العربية يتحرك ضمن الحزب الحاكم وفي قوالبه مما أفقد شعوبنا حرارة الصدق وأخمد لديها جذوة الكفاح فعزت النصرة للمظلوم وعز النصر لصاحب الحق. إنها المصيبة الكبرى التي تنذر بتفكك العصبية التي ذكرها العلامة ابن خلدون والتي سماها الكواكبي انفجار الحب والنوى في النفس الأبية وأطلق عليها محمد حسنين هيكل عبارة طريفة هي هروب العرب من التاريخ!. [email protected]