16 سبتمبر 2025

تسجيل

صناديق التقاعد الخليجية وتحويلات العاملين

30 سبتمبر 2012

تكتسي مدخرات الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي أهمية كبيرة ليست لاقتصادات بلدانهم من خلال التحويلات فحسب، وإنما لاقتصادات البلدان الخليجية أيضا، خصوصا وأن هذه التحويلات تزداد بنسب كبيرة سنة بعد أخرى نتيجة لزيادة أعداد الوافدين من جهة وارتفاع مستويات المعيشة في دول المجلس من جهة أخرى. لذلك، فقد طرحنا قبل عشر سنوات ضرورة إيجاد القنوات اللازمة لاستقطاب جزء من هذه المدخرات واستثمارها في دول المجلس في محاولة للحد من التحويلات التي ترتفع بنسبة تتراوح ما بين 10-12% سنويا، إذ بلغت في العام الماضي 55 مليار دولار، مقابل 40 مليارا في عام 2008، حيث يمكن إعادة ضخ جزء من هذه التحويلات في شرايين الاقتصادات الخليجية. ومع أنه تم الأخذ ببعض هذه التوجهات، كالسماح للوافدين بالتعامل في البورصات الخليجية وتخفيف القيود عليهم للاستثمار العقاري، إلا أن توجهات أخرى ما زال عليها بعض التحفظ. ففي عام 2003 طرحت هنا فكرة تأسيس صناديق تقاعد للوافدين، ليأتي البنك الدولي بعد عشر سنوات تقريبا ليطرح نفس الاقتراح في الأسبوع الماضي داعيا دول المجلس لإقامة مثل هذه الصناديق والتي تعتبر مؤسسات استثمارية فعالة في الكثير من بلدان العالم. وبما أن الطرح الجديد يأتي من البنك الدولي، فلربما يلقى بعض الترحيب في الوقت الحاضر، على اعتبار أنه مؤسسة عالمية تسعى إلى تقديم استشاراتها للبلدان الأعضاء. ومع أهمية هذه الخطوة فيما لو تم الأخذ بها، فإنه لابد من الاستفادة من تجارب مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية الرسمية العاملة حاليا بدول المجلس، حيث تشكل تجربة السنوات العشر الماضية أهمية كبيرة للمؤسسات المقترحة، فالصناديق الحالية مستمرة في عملها بفضل الدعم الحكومي السخي، علما بأن بعضها يعاني من عجز اكتواري مزمن، وذلك بسبب افتقار هذه الصناديق لرؤية استثمارية واضحة، بل إن بعضها لا يملك مثل هذه الرؤية. من هنا، فإن الأنظمة المقترحة للوافدين لا يمكنها العمل بالأسلوب المتبع حاليا، وإلا فإنها ستشكل عبئا على الموازنات السنوية لدول المجلس، مما يتطلب وضع تصورات أكثر مهنية تتعلق بأسلوب عملها والتي من المفترض أن تعمل وفق أسلوب القطاع الخاص لتساهم في تنشيط الأوضاع المالية والاستثمارية وفي التنمية بشكل عام بدول مجلس التعاون الخليجي. إذن من حيث المبدأ هناك ضرورة تنموية تتعلق بتسخير مدخرات الوافدين العاملين في دول المجلس لخدمة التنمية والحد من التحويلات الخارجية من خلال فتح المزيد من قنوات الاستثمار لاستقطاب المدخرات، بما فيها الصغيرة وإقامة صناديق للتقاعد والتأمينات الاجتماعية خاصة بالعاملين الأجانب في دول المجلس. وفي الوقت نفسه، فإنه لا بد من اعتماد أسس جديدة لعمل هذه الصناديق لتفادي النواقص المصاحبة لمثيلتها القائمة في الوقت الحاضر، وبالأخص غياب السياسات الاستثمارية والتي من خلالها يمكن تنمية القدرات المالية وتجنب العجز الاكتواري المرهق والمزمن، فمؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية ليست مؤسسات للعون الاجتماعي وتقديم المساعدات، وإنما هي مؤسسات تنموية لها شأن كبير في التنمية وتطوير أسواق المال والمساهمة في إقامة مشاريع تؤدي إلى التنمية وتنويع مصادر الدخل الوطني. مثل هذه الجوانب التنموية ما زالت غائبة تماما عن أنشطة هيئات التقاعد الخليجية، بل حتى النشاط المحدود في النصف الثاني من العقد الماضي والذي قامت به بعض هذه الصناديق في أسواق المال الخليجية اتسم بروح المضاربة ورفع أسعار بعض الأسهم بصورة مصطنعة، مما كبدها خسائر هي في غنى عنها. لقد حدث ذلك بسبب غياب الرؤية الاستثمارية الواضحة المتمتعة بالشفافية، حيث يشير ذلك إلى ضرورة تبني مثل هذه السياسات الاستثمارية القائمة على أسس مهنية صحيحة وبعيدة عن تجاذبات المصالح والتي أضرت ببعض الصناديق في الفترة الماضية، مما استلزم تدخل الدولة لإنقاذها. وفي حال الاقتراح المقدم من البنك الدولي، فإن القطاع الخاص الخليجي وبمساندة من الدولة من خلال تقديم التسهيلات والدعم غير المالي المتعدد يمكن أن يقوم بهذه المهمة التي تتطلبها مرحلة التنمية التي تمر بها دول المجلس والتي تستلزم تسخير القدرات المالية للمواطنين والمقيمين - وهي كثيرة ومتعددة - لرفد عملية التنمية باستثمارات جديدة تساهم في زيادة معدلات النمو وإقامة المزيد من المشاريع التنموية وتوفير المزيد من فرص العمل والتي يتزايد الطلب عليها في دول المجلس.