11 سبتمبر 2025
تسجيلتتآكل الدولة العربية الوطنية الموروثة من اتفاقية سايكس – بيكو في سوريا والعراق جغرافياً وسياسياً بخطو حثيث مع انبثاقة كل فجر جديد.. ولن يكون الأمر عجبا إن صحونا من غفوتنا العميقة ذات فجر غائم ووجدنا أنفسنا أمام حقيقة مُرة: بيادر مدججة بسلاح وعتاد لا تملكه الدولة الوطنية التي ظلت قائمة لعقود وهي تحوطنا من كل جانب بخطابها ومسلكها الصادم، وفظائعها المرعبة باسم الإسلام، وعجز الدولة الوطنية عن حماية نفسها وشعبها ضد هذا الخطر الوافد من حارج الحدود، يريد محو الدولة الوطنية الموروثة من الوجود وإحلال دولة الخلافة القديمة في مكانها. وتبديل شكل ومضمون الدولة الوطنية الموروثة تبديلا كاملا لا يستثني حتى الاسم والحدود. عندها تصبح الدولة الوطنية القائمة اليوم أثرا بعد عين. تصبح مجرد ولاية صغيرة في جسم هلامي كبير هو تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق وبقية أراضي بلاد الشام. ولن يطول الزمن قبل أن تلحق بقية بلدان العالم العربي بمصير هذه الدول العربية التي تجري عملية تفكيكها على قدم وساق. نعم ، سخر كل المراقبين من المشروع المتطرف عند الإعلان عنه أول مرة. وحسبوا الأمرعتها سياسيا أشر ما لن يلبث أن تزروه الرياح. ولكن المفاجأة الكبرى أحاطت بمعصم الجميع. تمثلت المفاجأة في ضعف الدولة الوطنية القائمة سياسيا وعسكريا وعدم قدرتها في مواجهة مشروع يفتقد إلى أقل القليل من مقومات النجاح. بل إن المشروع جلب لأصحابه قدرا هائلا من السخرية من قبل المراقبين والمحللين وهم يتصورون إنسان الدولة الوطنية القائمة اليوم وقد تحول إلى إنسان عاد القهقرى آلاف السنين. وحملهم ذلك التصور على تسفيه الفكرة والمشروع من أساسه باعتبار أنه نزوة سياسية فطيرة لن تلبث حتى تصبح أثرا بعد عين. ولكن الذي حدث ويحدث اليوم يكاد يقلب التساؤلات الساخرة إلى تساؤلات من قلق مؤسس على مجريات مزعجة أصبحت مشاهدة بالعين المجردة. قمة هذه المجريات تمثلت في تآكل الدولة الوطنية القائمة في سوريا تدريجيا لصالح تنظيم الدولة الإسلامية بعد أن تساقطت مساحات كبيرة من الأراضي في قبضة التنظيم الذي يظهر كفاءة قتالية عالية وصمودا رغم تكاثر الأعداء عليه. وهكذا أصبحت هواجس الذين يعنيهم الأمر هي خوفهم من أن تتهاوى الدولة الوطنية الموروثة في سوريا وتسقط في يد التنظيم الهلامي المسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، على حين غرة بعد أن تكاثرت عليها الضربات المتوالية من فيالق عديدة من قاعدة وداعش وجبهة نصرة وأنصار شريعة وسلفيين جهاديين وجيش حر وغيرهم. لا أحد يأسف إذا مضى تآكل الدولة العربية الوطنية في سوريا إلى الغايات التي ينشدها معارضوها. ولكن الخوف والحذر هو أنه لن نلبث طويلاً قبل أن ننعي الدولة الوطنية الموروثة في العراق واليمن ولبنان عملا بنظرية الدومينو المعروفة... والأمر كذلك، فلا مناص من سؤال ملح: هل يستمر حلفاء الدولة الوطنية العربية الموروثة في ترددهم حتى تقع الفأس في الرأس، بأن ترث داعش تلك الدولة وتقيم في مكانها هذه النتوءات الجغرافية المبتسرة المسماة بالولايات الإسلامية بسكاكينها الطويلة ! إن يحدث هذا، فإن سرادق العزاء سوف تعم القرى والحضر، ولن تجف الدموع في المآقي.