15 سبتمبر 2025
تسجيلوقّع نحو 16 حزباً يمنياً مغموراً على وثيقة تفويض لزعيم جماعة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي باتخاذ كل التدابير اللازمة ومنها "استخدام الخيارات الإستراتيجية" التي هدد بها في أحد خطاباته للتصدي للقصف المكثف الذي تشنه طائرات دول التحالف بقيادة السعودية ليلا ونهارا منذ انطلاق عاصفة الحزم في شهر مارس الماضي على مواقع ميليشيات الحوثي وصالح وما نتج عنه من خسائر كبيرة جدا في صفوفهم وتدمير جزء كبير من ترسانتهم العسكرية الأمر الذي أوصل الكثير من مقاتلي هذه الميليشيات إلى قناعة أن الاستمرار في الحرب خيار مؤكد للانتحار الجماعي، بل إن فريقا من المؤيدين للرئيس المخلوع يرى أن إيران ورطت الحليفين في مغامرة غير محسوبة العواقب كانت أقوى من قدراتهم بعد أن أغرتهم بتقديم الدعم المالي السخي والأسلحة الفتاكة في حال السيطرة بالقوة على الحكم وقلب الموازين في الإقليم لصالح نفوذ طهران لكنها أخفقت في تقدير حجم رد الفعل السعودي الذي أوصد بقوته الحديثة كل منافذ الجو والبحر والبر وجعل حلفاءها في اليمن يواجهون مصيرهم. ينظر إلى تحالف الحوثيين الجديد مع هذه الأحزاب الهامشية بأنه يعكس رد فعل غاضباً على تفاقم حدة الخلاف مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح قد ينتهي بفك الارتباط ولو سياسيا بعد سعي وفد من حزب المؤتمر الشعبي العام في القاهرة إلى البحث عن تسوية مع أطراف إقليمية ودولية بعيدا عن جماعة الحوثي، وذلك بعد بروز مؤشرات قوية عقب طرد الحوثيين وحلفائهم من مدينة عدن أن الكفة تميل الآن في أكثر من موقع لصالح المقاومة الشعبية والجيش الوطني المؤيد لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته. لكن لماذا لجأ الحوثيون إلى مثل هذه الخطوة خاصة وأنها حيلة قديمة غير مجدية استند إليها صالح إبان جبروته عندما أسس ما عرف "بالتحالف الوطني" المكون من هذه الأحزاب المجهرية نفسها لمواجهة تكتل معارض من أحزاب قوية ساهمت في الثورة على نظام حكمه ؟ إلى أي مدى ستمكن هذه الخطوة الحوثيين من حشد التأييد لمشروعهم بعد أن فقد بريقه أم ستؤدي إلى مزيد من التفكك والانهيار ؟ كيف سيحافظ الحوثيون على موقعهم في سدة السلطة دون الاستناد إلى نفوذ صالح وقوته العسكرية ؟ ما هي خيارات الرئيس المخلوع إذا ما قرر الحوثيون التخلص منه خاصة وأن في رقبته دماء عدد من إخوان الحوثي وعائلته ؟ كيف سيكون مستقبل اليمن في حال اصطدام سفينتي الحوثي وصالح وغرقهما بمن عليهما ؟ قبل الإجابة عن كل هذه الأسئلة لابد من الإشارة إلى طبيعة الخيارات الإستراتيجية التي يهدد بها الحوثي من حين لآخر والتي حاول الآن من خلال هذا التحالف الجديد مع 16 حزبا إعطاء اللجوء إليها دعما شعبيا وسياسيا، وحسب تصريحات من قيادات حوثية أو شخصيات مقربة منهم فإن هذه الخيارات "الإستراتيجية" ستكون على محورين الأول سياسي والثاني عسكري، أما المحور السياسي فسيتمثل في تشكيل مجلس رئاسي ومجلس عسكري وحكومة تملأ الفراغ الدستوري الذي يكتم أنفاس صنعاء ويعزلها عن العام منذ وضع الرئيس الشرعي وأعضاء حكومته تحت الإقامة الجبرية قبل أن يتمكن من الوصول إلى عدن ثم الرياض.. لكن هذا الخيار سيظل كخيار الإعلان الدستوري الذي لم تعترف به وبالسلطات الناتجة عنه سوى إيران، أما المحور العسكري فهناك سعي حوثي لحشد قوات وصواريخ بالقرب من مضيق باب المندب لشل حركة الملاحة الدولية، لجعل المجتمع الدولي يتحرك سريعا باتجاه البحث عن حل سياسي يستجيب لبعض شروط الحوثيين ومنها بقاؤهم عنصراً مهماً في أي عملية سياسية، لكن وفي حال اللجوء إلى خيار كهذا فإنهم سيكونون كمن يحفر قبره بيده. جماعة الحوثي تحارب الآن على ثلاث جبهات، جبهة المقاومة الشعبية والجيش الوطني الموالي للرئيس هادي وما تحققه من تقدم يومي في جبهات القتال، وجبهة الرفض الشعبي للمشروع الحوثي وما خلفه من مآس وتبدل قناعات كثير من الضباط والجنود الذين يقاتلون في صفوف ميليشيا الرئيس المخلوع الأمر الذي جعلهم يرفضون الأوامر العسكرية ومنهم قيادات فضلت الهرب وترك مواقعها ومعسكراتها في مأرب وتعز والضالع وحتى صنعاء، أما الجبهة الأخرى وهي الأشد إيلاماً فتتمثل في صرامة قوات التحالف والقرار الدولي 2216 الذي تتمسك به حكومة الرئيس هادي ولا ترى أي حل سياسي إلا عبره ومن خلال المبادرة الخليجية وإعلان مؤتمر الرياض، وهنا يبدو الحوثي والرئيس المخلوع في موقف صعب سواء على صعيد تربص كل منهما بالآخر وانتظار اللحظة المناسبة للفتك والانقضاض أو على صعيد عدم جدوى أي خيار "إستراتيجي" معلن في ظل كثافة عمليات قوات التحالف وانضمام وحدات عسكرية مدربة تدريبا جيداً إلى صفوف الجيش الموالي للشرعية والمقاومة الشعبية حيث تعهدت الأخيرة مراراً بجعل حلم الحوثيين بالعودة إلى معقلهم صعدة بعيد المنال، وهنا يبدو الحل الذي يحفظ ماء وجه الجميع قبل الوصول إلى مرحلة المواجهة وحرب الميليشيات المتناحرة في شوارع صنعاء هو تطبيق القرار 2216 والتخلي عن روح المكابرة والعناد.