15 سبتمبر 2025
تسجيليتحدد السلوك السياسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بثلاثة مبادئ رئيسية تتلخص في أن الدب لا يستأذن أحدا، فهو سيد غابات التايغا ولا يتنازل عن المنطقة الخاصة به وهو يشعر بالنشوة عند المواجهة وسحق الخصوم، والمبدأ الثاني الذي عبر عنه في غير مناسبة: أمريكا ليست سيدة العالم، أما المبدأ الثالث والأخير فيتجلى في أن القوة دائما تنبع من استقرار الداخل، ولذلك فقد وافق بوتين في أواخر العام 2016 على العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية الروسية التي انتظمت فيها كل هذه المبادئ والآراء السياسية.تُركز العقيدة الجديدة على حاجة روسيا لتعزيز مكانتها في العالم ولعب دور محوري في كل قضاياه وبؤره المتوترة وخاصة في الشرق الأوسط، وفق منطلق واضح يقول: لن يتم حل أي قضية سياسية بدون الأخذ بعين الاعتبار مصالح موسكو ومشاركتها المباشرة في المشكلة والحل!!ولتسويق هذه الإستراتيجية الجديدة كان لابد من إتاحة الفرصة لإعلام روسي منفتح على الفضاء المعلوماتي للعالم بهدف إيصال وجهة نظر روسيا بشأن المسائل الدولية ولذلك فقد وجه بوتين رغم الأزمة الاقتصادية بزيادة حجم الإنفاق والتمويل لدعم الإعلام الخارجي في العام 2017، على أن تتكفل شبكة تلفزيون "أر تي" ووكالتها للأنباء بالترويج السياسي من خلال إطلاق قنوات بلغات منها اللغة الفرنسية التي يتحدث بها عدد كبير من سكان دول شمال أفريقيا وأوروبا لمواجهة الدعاية الأوروبية التي تصف روسيا بأنها دولة ديكتاتورية قمعية تنتهك يوميا حقوق الإنسان في سوريا وأوكرانيا. تراجع الهيمنة الاقتصادية والسياسية للدول الغربية جعل القيصر الطامح إلى إحياء المجد الضائع للإمبراطورية السوفياتية البائدة يرى ضرورة استغلال روسيا لهذه الفرصة وقلب موازين القوى لصالحها، خاصة وأن المنافسة الحالية لها طابع حضاري من خلال سعى بعض الدول إلى فرض قيمها على الآخرين.لذلك فإن بصمات الحضارة الروسية التي تقوم على القيم الأرثوذكسية المحافظة يجب أن تتسع من خلال الاهتمام بقضايا جدلية مثل قضية اليهود المشتتين في العالم.بوتين ما انفك يؤكد أنه لابد لروسيا أن تؤثر على الأحداث التي تجري في مناطق العالم، وليس الاكتفاء فقط بالمراقبة عن بعد، خصوصا في مناطق المصالح الروسية، ولذلك فقد أمر حسب تقارير الاستخبارات الأمريكية وأشرف بنفسه على هجمات إلكترونية نفذتها أجهزة مخابراته للتأثير على الانتخابات الرئاسية لدعم ترمب وإضعاف الثقة في العملية الانتخابية، ولاتزال الاستخبارات الروسية تواصل السعي عن طريق لوبيات يهودية لدعم شخصيات ترتبط بعلاقات حميمية مع روسيا، ومنها مرشح الرئيس المنتخب دونالد ترمب لوزارة الخارجية ريكس تيلرسون والذي يتقلد منصب الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل.بوتين يحاول تعزيز علاقات بلاده مع المنظمات الإقليمية والدول المحورية في أقاليمها مثل تركيا واليابان، والتركيز على أبرز الشركاء الرئيسيين لروسيا مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا إسبانيا وهي البلدان الأكثر تضررا من نظام العقوبات المتبادل، وتبذل أجهزة الدولة الروسية قصارى جهدها لنسج علاقات حميمية مع الأحزاب اليمينية الأوروبية والنخبة من رجال الأعمال والتي يمكنها الضغط والمطالبة باستعادة العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا.النقطة الأبرز والأخطر في توجهات السياسة الروسية في عهد القيصر الذي وصف انهيار الاتحاد السوفييتي، الذي كان أول من اعترف بالكيان الصهيوني بأنه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، أقول إن هذه النقطة الخطيرة جدا تتعلق بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، فللمرة الأولى، يتم حذف كل ما يشير إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة من وثيقة السياسة الخارجية الروسية وربما يكون هذا الموقف نتيجة حوار روسي إسرائيلي مكثف لتترك موسكو مسألة الدولة الفلسطينية خارج نطاق اهتمامها.