19 سبتمبر 2025

تسجيل

ليلة القدر ليلة العمر

30 يوليو 2013

لقد سار بنا قطار رمضان وهو يمضي سريعاً في أثناء رحلته الإيمانية الروحانية، ونحن نتنزه فرحين مستأنسين في رياض وبساتين الطاعات والعبادات، حتى وصل بنا إلى آخر الجولات والمحطات، إلى العشر الأواخر، التي لها مزية وخصوصية، بأن جعل الله فيها ليلة القدر، لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (فالتمسوها في العشر، والتمسوها في كل وتر)، أو على وجه التقريب في السبع الأواخر، كما جاء في حديث آخر: (من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)، وهذا من رحمة وفضل وكرم الله، أنه أخفاها في العشر، فحصرها في السبع، فقيدها بأوتار الليالي، هذا فضلاً عن علاماتها التي يستدل بها عليها، وكل ذلك مثبت في السنة الصحيحة. الليلة التي أنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجّماً مفرقاً، على حسب الحوائج والأحداث، في ثلاث وعشرين سنة، لذلك سميت بليلة القدر أي ذات القدر والشرف والمنزلة العظيمة، لعظم وجلالة القرآن المنزل فيها، وقيل سميت بذلك؛ لأن الله يقدر فيها ما شاء من أمره إلى السنة القابلة، لقوله تعالى: (فيها يفرق كل أمرٍ حكيم). ولله سبحانه وتعالى حكمة في أن جعلها في العشر الأواخر، دون العشر الأوائل أو العشر الأوسط، توحي بأن الأعمال بخواتيمها وأن الأعمار بأواخرها، كالأبيات تختم بقوافيها وكالقصائد تنسب لرويِّها، وحكمته تعالى في إخفاء ليلة القدر في العشر الأواخر ظاهرة، كي نجتهد بالطاعة في جميع لياليها، ولا نتوانى ونتهاون، أسوة بنبينا عليه الصلاة والسلام الذي كان يجتهد فيهن ما لا يجتهد في غيرها، حتى أنه كان يخلط ليالي رمضان بصلاة ونوم، أما إذا دخل العشر أحيا ليله، أي استغرقه كله بالقيام وغيره، وشد مئزره كناية عن الجد والاجتهاد كما أخبرت عائشة رضي الله عنها. أما الأجر المترتب على قيامها وإحيائها بالطاعات، فهو كأجر صيام رمضان وكأجر قيام لياليه وتأمل ولا تعجب، قال عليه الصلاة والسلام: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)، بل وزيادة على هذا أنها خير من ألف شهر أو بلغة الحساب والأرقام، خير من ثلاث وثمانين سنة وثلث، أي خير من عمر الإنسان كله، عمر من فسح الله في عمره، وبلغ من الكبر عتيّا، ومعنى هذه الخيرية، أن من عبد الله وعمل صالحاً فيها، خير من عبادته وعمله مدة ألف شهر، أي مدة عمره من أوله إلى آخره، على اعتبار أنه من المعمرين، هذا إن استغرقه كله في العبادة، وانظر هل يمكن ذلك؟، لذا قال عليه الصلاة والسلام: (من حُرم خيرها فقد حرم). اللهم لا تحرمنا خيرها يا أكرم الأكرمين، ووفقنا لقيامها إنك أنت الموفق والمعين.