14 سبتمبر 2025
تسجيليشوب صناعة وأسعار النفط الكثير من الغموض الذي يؤدي إلى تحول الكثير من التحليلات والتوقعات إلى مجرد آراء، إما أنها لا تستند على بيانات أو وقائع موضوعية، أو أنها تتأثر بصورة كبيرة بالأحداث السياسية والأمنية المحيطة بمنطقة الخليج العربي والتي تعتبر أكبر منجم للذهب الأسود. وبما أن تأثيرات أسعار النفط كبيرة وحاسمة للاقتصادات الخليجية، فإنه يمكن ملاحظة التفاوتات الكبيرة خلال فترات زمنية قصيرة نسبيا للمؤشرات الاقتصادية الخليجية الخاصة بالنمو وحجم الناتج المحلي وفائض الميزان التجاري وغيرها من المؤشرات المهمة. في السابق كان منتجو ومصدرو النفط في العالم يبتهجون مع أي ارتفاع للأسعار، إلا أن ارتفاعها مؤخرا بصورة جنونية أوجد حالة من التشويش المبهم عند البلدان المصدرة والتي فوجئت بالعائدات القياسية وبتكدس هذه العائدات دون وجود منافذ استثمارية مناسبة لتوظيفها، مما حدا بمعمر القذافي قبل رحيله إلى اتخاذ قرار بتوزيع جزء من هذه العائدات على الليبيين. ومع أنه لم يفِ بوعده ولم يقم بتوزيع شيء، إلا أن هذا القرار رغم حماقته، فإنه يعبر عن الاستخفاف بما توفره الثروة النفطية من فرص تاريخية لا تتكرر لتنمية ليبيا. من جهتها لمست البلدان المعتدلة خطورة المبالغة في ارتفاع أسعار النفط وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي، وبالأخص في ظل الأزمة التي تعصف باقتصادات العالم، بما فيها البلدان الرئيسة المستهلكة للنفط، حيث تشمل هذه الانعكاسات البلدان المصدرة ذاتها، كيف؟ كما أشرنا آنفا، فإنه في الوقت الذي تضاعفت فيه عائدات النفط، فقد تضاعفت أيضاً معدلات التضخم وبالتالي الأسعار دون سند موضوعي لتتجاوز مستوى الارتفاعات في أسواق السلع الدولية، حيث لم تستطع زيادة الرواتب في معظم البلدان النفطية سد الفجوة ما بين ارتفاع الأجور وزيادة تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخم، خصوصا في ظل غياب رقابة مقننة على أسعار السلع والخدمات. لقد أوجد ذلك نوعا من الفوضى السعرية التي أثرت سلبا على مستويات المعيشة وأضحت العديد من السلع والخدمات الضرورية، بما فيها الإسكانية بعيدة عن قدرات فئات اجتماعية واسعة، أما بعض أنواع السلع والخدمات، كالخدمات الصحية، فقد انتقلت أسواقها إلى البلدان الأقل كلفة، وذلك بسبب الارتفاع الخيالي في أسعارها في البلدان النفطية. من هنا تحاول العديد من البلدان المنتجة للنفط، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي كبح جماح ارتفاع الأسعار لتبقى عند الأسعار العادلة التي تساعد على عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي المتضرر من الأزمة من جهة، وحرصا منها على استقرار أوضاعها الاقتصادية وتلبية احتياجاتها التنموية من جهة أخرى، مع التدرج في التوجهات الرامية إلى تطوير مصادر بديلة للنفط والتي أضحى العديد منها ذا جدوى اقتصادية بعد تضاعف الأسعار وتجاوزها في بعض الفترات لحاجز 140 دولارا للبرميل. ويعتبر سعر البرميل الذي يتراوح ما بين 90 إلى 100 دولار سعرا عادلا في الوقت الحاضر، وهو يتناسب والأوضاع الاقتصادية الدولية ويتيح المساهمة في إمكانية انتعاشها من جديد، كما أن ذلك يلبي الاحتياجات التنموية للبلدان المصدرة للنفط ويضع العديد من المؤشرات السلبية، كالتضخم المفرط تحت السيطرة. المشكلة أن هناك بلدانا في منظمة الأوبك تسعى إلى رفع أسعار النفط لتصل إلى مستويات قياسية جديدة، والحديث هنا يدور حول 200 دولار للبرميل، مما سيشكل كارثة للاقتصاد العالمي في ظل الأزمات الحالية، إلا أن ما يدفع هذه البلدان في هذا الاتجاه كونها تعاني نفسها من مصاعب اقتصادية وتحاول حلها من خلال زيادة عائداتها من النفط. والحقيقة أن إيجاد حلول لهذه المصاعب لا يتوقف على العائدات النفطية وحدها، وإنما يرتبط بمجمل السياسات الاقتصادية في هذا البلد أو ذاك، فعسكرة المجتمع وتخصيص موارد كبيرة لقطاعات غير إنتاجية وزيادة الالتزامات الخارجية يمكن أن تلتهم جزءا كبيرا من عائدات هذه البلدان. وفي كل الأحوال، فإن أسعار النفط لم يعد تحديدها مقتصرا على البلدان المصدرة وحدها، وإنما هناك تأثيرات للبلدان المستهلكة والتي يبدو أنها تحاول بدورها إيجاد نوع من الاستقرار في أسواق النفط العالمية، وهي بذلك تتفق مع معظم البلدان الرئيسة المصدرة، مما يعني المزيد من الاستقرار لاقتصادات المجموعتين وللاقتصاد العالمي ككل.