04 نوفمبر 2025

تسجيل

محبة المال (1)

30 يونيو 2015

لا يخلو قلب إنسان في هذه الحياة من حب المال، محبةً جمةً شديدةً، شغفت القلب حتى استقرت في سويدائه، مصداقاً لقول المولى تبارك وتعالى:(وإنّه لحبِ الخيرِ لشديدٌ)، والخير هنا بإجماع المفسرين، هو المال، وفي اللغة، ترك فلانٌ خيراً، أي مالاً، وقد جاءت هذه الآية جواباً، للقسم الذي في أول سورة العاديات، وقد أكّدها الله بمؤكدين، هما حرفا (إنّ ،واللام في كلمة شديد)، إثباتاً لهذا الحكم، الذي ينكره الإنسان غالباً بلسانه، ويصدقه دائماً بطبعه، ويشهد عليه في ذلك شاهدٌ من نفسه، هو أعماله التي هي لسان حاله، ينطق ويتكلم عن جوارحه، التي لا تكلُّ ولا تملُّ، ولا تشبع ولا تقنع من طلب المزيد، وفي الحديث الشريف (لو كان لابن آدم وادٍ من مالٍ- وفي رواية من ذهب- لابتغى إليه ثانياً، ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوفَ ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)، وانظر إلى آخر جملة في الحديث، تفهم منها أن ما ذُكر في حديث من صفة الطمع والحرص على المال عند ابن آدم، ذنب يَحتاج معه إلى توبة، ليتوب الله عليه، وفي هذه الصفة قال الشاعر:لو يجْمَعُ اللهُ ما في الأرضِ قاطبةً عند امرئٍ لم يقل حسبي فلا تَزدِلو كان يأخذُ شيئاً قبلَنا أحدٌ لم يبقَ شيءٌ لنا من سالفِ الأمدِزَيّن الله تعالى محبة المال للناس، ابتلاءً لهم، كغيرها من الشهوات المحببة إلى النفس، التي تجلب لها الفرح، وتجد فيها اللذة، وكلها متاع الحياة الدنيا الفانية، وما عند الله في الآخرة خيرٌ وأبقى، والشيطان بلا شك زاد تلك الشهوات زينة وبهرجةً وبريقاً لإغراء الناس وخداعهم بها، فحب المال إذن فطرة غريزية جُبِل عليها الإنسان، وسجية في أصل طبعه، وهو زينةٌ الحياة الدنيا، التي يؤثرها الناس على الآخرة، قال تعالى:(المالُ والبنونَ زينة الحياة الدنيا...) الآية، وقدّم الله المال في الآية على البنين، كما قال العلماء، لكونه سبباً في إيجادهم، فمن يملك المال يستطيع الزواج، ومن ثَم الإنجاب، بل هو أساس وعصب الحياة كلها، ولا خلاف ولا خفاء في ذلك.