12 سبتمبر 2025

تسجيل

عابر سبيل في أعمارنا

30 يونيو 2014

حل علينا شهر رمضان المبارك، وهو توقيت سنوي له كثير من الدلالات التي تتعلق بالذات وتعمل على رؤيتها لكثير من الأفكار بنقاء وصفاء لا يتوفر في غيره من أوقات العام، وهو في الواقع محطة إيمانية وفكرية ينبغي أن نعي مكتسباتنا منها، وألا نتعامل معها كروتين سنوي لا يجدد فينا شيئا أو يضيف فكرة نوعية للحياة من حولنا، وحين لا يحدث ذلك فمن المؤكد أن هناك خللا في بصيرتنا وأنفسنا.شهر رمضان عنوان راق لكثير من الخيرات الإنسانية، والفيوض الروحية التي يجب الانشغال بها، فحياتنا المعاصرة ذات إيقاع سريع يصرفنا عن مكاسب حقيقية كامنة في ذواتنا وبحاجة إلى اكتشافها حين نتدبر مع النفس في لحظات الخلوة، ولكن نفقد ذلك، لأن الحياة أصبحت ملهاة عريضة تحتشد بالشواغل والمشاغل، إننا في الواقع نفقد التوازن النفسي والروحي حتى وإن أظهرنا نوعا من الثبات والاستقرار، أو بعبارة أخرى الطمأنينة.نفوسنا البشرية مقسمة إلى ثلاث: أمارة بالسوء، مطمئنة، ولوّامة، وحين ننظر إلى ذلك فإننا نبحث عن موقعها من هذه التقسيمات وننحاز إلى تلك المطمئنة ونسعى إليها، ولكن ذلك لابد له من جهد وعمل، فهي كسب وليس منحة أو استحقاقا يناله كل من رغب فيه، أو كأن الأمر سلعة يمكن أن نشتريها من السوق، ذلك أمر يتطلب المحاسبة عبر النفس اللوّامة وكف تلك الأمّارة بالسوء.وفي تقديري أن الحياة بسيطة وإنما نعمل على تعقيدها بأنفسنا، فلو أننا نظمنا يومنا وأوقاتنا، وتفرغنا إلى عباداتنا وطاعاتنا وأخلصنا النيات وصدقنا التوجهات والتزمنا التعاليم، فإننا ولا شك في مأمن من الانحرافات النفسية التي تصيبنا بالتبلد الإنساني، وتجعلنا لا نحسن التوقف مع النفس حين تخطئ أو تنهار فضائلها وخصالها الفطرية البريئة.رمضان الكريم ليس مجرد عبادة روتينية عابرة، نصوم فيها لأن الله أمرنا بذلك، أو نحرص على الصلوات لأن هذا الشهر يتطلب ذلك، أو نتصدق بغية لكسب الأجر، حين نفعل ذلك في رمضان فقط، فإننا في الحقيقة لا نحسن تحقيق التوازن الداخلي والوصول إلى مرحلة النفس المطمئنة، لا يمكن أن نخدع الله في ثلاثين يوما ثم نعود إلى ما كنا عليه من تجاهل وإهمال للعبادات والصلوات والرقي الذاتي بكبح النفس عن شهواتها وغضبها، ينبغي أن نعمل على استواء الحال كما نفعل في رمضان في بقية حياتنا، دون ذلك يصبح الشهر الفضيل عابر سبيل في أعمارنا وهي أقصر من أن نضيعها بعيدا عن جوار الله سبحانه وتعالى.