15 سبتمبر 2025
تسجيلما عليك يا طالب الرزق إلا الإجمال في الطلب، أي طَلَب الرزق مما شرع الله من الحلال، وبالوسائل الحلال كذلك، واقرأ جيداً وصية نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، واستمسك بها، التي جاءت في الحديث الصحيح: (أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإنّ نفساً لن تموت حتى تستوفيَ رزقها، وإنْ أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم).متمسكاً أيضاً بعزة النفس تمسُّكَكَ بطلبك الرزق، وقد جاء في الأثر: (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير)، وإلى هذا أشار علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، في قوله:(إن استطعت ألا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل، فإنك مدركٌ قِسْمك، وآخذٌ سهمك، وإن اليسير من الله سبحانه وتعالى، أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإنْ كان كلٌّ من عنده).. والله تعالى يقول: (ورزقُ ربك خيرٌ وأبقى)، وإياك ثم إياك أن يحملنك استبطاء الرزق، أن تطلبه بغير كرامة وشرفٍ، وصونٍ لماء الوجه، وفي هذا قال الشريف الرضي:لا تطلب الرزق في الدنيا بمنقصةٍفالرزقُ بالذلِ خيرٌ منه حرمانُلكنّ الشيطانَ لن يدع الإنسان وشأنه، بل سيبث في نفسه الخوف على تحصيل الرزق، والذعر من مصير الفقر، محاولاً دفعه للتناوش، وخوض حَمأةِ الحرام، فيكون إن أخذ شيئاً من الرزق، قد أخذه بنقص دينه، وإن أصاب غرضاً من الدنيا، فقد أصيب من أجله شرفه، قال المولى تبارك وتعالى:(الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسعٌ عليم)، روي عن حاتم الأصم، أنه قال: (ما من صباح إلا والشيطان يقول لي: ما تأكل؟ وما تلبس؟ وما تسكن؟ فأقول: آكل الموت، وألبس الكفن، وأسكن القبر).عَنى بقول الشيطان، وسوسته، وما ينفثه في رُوع المرء، فكان رده رحمه الله- استحضاراً لمعاني الموت، التي عند استحضارها وتذكرها يصغر شأن الدنيا، ويهون أمرها. لا بد في طلب الرزق من العمل بأمرين، أحدهما: التوكل الصادق، والاعتماد الكامل على الله، ولا ينافي هذا الأخذ بالأسباب، ولكن يجب الأخذ بها على اعتبار أنها من أمر الله، مع معرفة أنها في نفسها لا تقدم ولا تؤخر شيئاً، فلا يُعَوَّل عليها بشيء، فالله قادرٌ على أن يرزقك من غير سبب، ولكنها من لوازم سننه التي خلق الكون عليها، لذلك كان من أمر الله سبحانه، أن يُريَ عبده المؤمن تجلياتٍ توحي له بحقيقة ذلك، جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله:(أبى الله أن يرزق عبده المؤمن إلا من حيثُ لا يحتسب)، وقيل في سند هذا الحديث ضعف، لكنّ معناه صحيح، كما قال أهل العلم، وما تقوله كذلك وقائع وأحوال الناس، في طلب الأرزاق، من شواهد صحته، قال بعضهم:والمرء يرزقُ لا من حيثُ يحتسبُويصرف الرزقُ عن ذي الحيلة الداهيوقال الشاعر في التوكل:توكَّل على الرحمن في الأمر كلِّهولا تَرْغَبَنْ في العَجْزِ يوماً عن الطلبْألم ترَ أنّ الله قال لمريمٍوهزِّي إليك الجِذعَ يَسَّاقَطِ الرُّطبْفلو شاءَ أن تجنيه من غيرِ هزِّهجنته ولكنْ كلُّ رزقٍ لهُ سَبَبْوسنتناول مسألة التوكل في مقالة أخرى بإذن الله تعالى.الأمر الآخر: احتياج طالب الرزق، إلى حسن الظن بالله، وهذا ليس في طلب الرزق فقط، بل في كل جوانب وأطوار حياته المختلفة، ورحم الله القائل:ولا تظُنّنّ بربك ظنَّ سوءٍفإنّ الله أولى بالجميلِ وسنفصّل القول عن حسن الظن بالله في مقالة قادمة، إن شاء الله تعالى. كنْ في طمأنينة يا طالبَ الرزقِ على رزقك، إذ هو مضمونٌ لك، آتيك لا محالة، جاء في حديث حسنه الألباني: (لو أن ابن آدم هرب من رزقه، كما يهرب من الموت، لأدركه رزقه كما يُدركه الموت).. لقد فهم سلفنا الصالح هذا المعنى، وغير من معاني الدين القيمة، فكان من دعاء بعض التابعين الكبار: (اللهم لا تشغلني بما ضمِنْتَه لي، واشغلني بما كلّفتَني به).