17 سبتمبر 2025

تسجيل

الغياب القسري للقضية الأولى

30 يونيو 2014

"ستظل القضية الفلسطينية هي القضية الأولى والكبرى والمركزية"، تلك عبارة تتردد في كل أحاديث القادة والزعماء وكبار المسؤولين والنخب السياسية العربية، مما جعلها - من فرط تكرارها – تقترب من العبارات الدارجة وتفقد توهجها القديم، خاصة أن الصدق يخاصم قلوب من يرددها، حتى وإن كان الصوت عاليا ونغمتها فيها بعض من صراخ وحماس، لكن شيئا من القلب لا يخرج.ما الذي يدفعني إلى البوح بهذا الخاطر أو قل الوجع - إن أردت قدرا من المصداقية؟ لقد تابعت على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة وربما أكثر من ذلك الكثير من الخطب في اجتماعات عربية على مستويات مختلفة، بما في ذلك مستوى القمة، مرورا بمستويات وزارية وصولا إلى المستويات الأدنى، دون أن يخل خطاب فيها عن محورية القضية الفسلطينية، بيد أنني عندما أقوم بعملية رصد لمفردات الواقع، أتوصل إلى نتيجة مؤداها أن هذه القضية باتت في غيابات الجب، بمنأى عن المتابعة والاهتمام والحرص والدعم -إلا من رحم ربي - من هذا الطرف العربي أو ذاك.توارت القضية إلى المواقع الخلفية ولعل المؤشر الأكثر صدقا في هذا السياق ترتيبها في استعراض الأنباء والتقارير الإخبارية، سواء في الفضاء المفتوح والمتعدد والمتنوع أو عبر الأثير، أو من خلال الصحف أو المواقع الإخبارية، ولا أظنني متجاوزا عندما أقول: إن الأفول بات يفرض سطوته على القضية بكل تجلياتها ومفرداتها وأبعادها، وكلها تنطوي على مخاطر على كيان الأمة وأمنها القومي وجودا وعدما.أضحت ثورات الربيع العربي، وما أدراك ما الربيع العربي، في صدارة المشهد الإقليمي والدولي، وهو ما المناخات المواتية للغاية للكيان الصهيوني لكي ينفذ مخططاته الاستعمارية والاستيطانية بقدر كبير من الشعور بعدم الملاحقة العربية حتى ولو على مستوى بيانات الشجب والاستنكار، والتي بدت لغتها في الأعوام الأخيرة باهتة وضبابية ومكررة دون أي إضافات، وهو ما يجعلني أشعر بأن القائمين على صياغة هذه البيانات لا يبذلون كبير جهد، فهي محفوظة في أجهزة الحاسوب، وعندما تحين المناسبة يتم إخراجها بنفس المفردات تقريبا دون أن يكون لها مردود أو تأثير، بل تكون في معظم الأحيان موضع سخرية بالذات من الكيان، الذي لا يعير كل ما يقوله العرب أي اهتمام، لأنه أدرك وبشفافية أنهم محض ظاهرة صوتية تفتقر إلى القدرة على الفعل المؤثر والناجز والمغير،لقد باتت القدس، خاصة قدس أقداسها – المسجد الأقصى - عرضة للعدوان الصهيوني، وغدا قطعانه قاب قوسين أو أدنى من اختراقه عبر الحفريات التي لم تتوقف، وتهدد معماره ومكوناته التاريخية تحت حجة البحث عن هيكل سليمان المزعوم في هذا الموقع، وحدث ولا حرج عن الاختراقات اليومية لقداسته ومحاولة السيطرة على باحاته سعيا للاستيلاء عليه، لولا فتية آمنوا بربهم مرابطين به من الداخل، مدافعين - بقدر ما يمتلكون من إرادة وإيمان - عن المسجد وما يمثله من دلالات ومكانة في الأمة الإسلامية التي تخلت عنه وتركته في فوهة العدو.في الوقت نفسه حدث ولا حرج أيضا، عن المخطط الواسع والذي ينفذه الكيان بهدوء بمساعدات ضخمة من رجال أعمال يهود بالذات من يهود الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لتهويد المدينة، من خلال شراء منازلها وأحيائها ذات الطرز التاريخية والتي تحقق لقطعان بني صهيون نوعا من استعادة الماضي المزعوم في هذه المدينة، فهل تحركت دولنا ورجال أعمالنا بل وشعوبنا في اتجاه موازٍ رغم صرخات أبناء القدس والأقصى لمساندتهم للتصدي لهذه الهجمة الشرسة؟ لا أنكر أن ثمة جهودا بذلت في هذا الشأن، منها تبني العاهل السعودي الملك عبد الله فكرة إنشاء صندوق لدعم القدس والأقصى، ثم وقفية الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قبل سنوات التي خصصها للإنفاق على متطلبات سكان القدس الصحية والتعليمية، لكن هل تكفي هذه الجهود مقابل المليارات التي تتدفق من الغرب ورجال أعماله، سواء أكانوا يهودا أو من غيرهم؟ لا أظن، إن العدوان الصهيوني الأخير على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ الكشف عن فقدان ثلاثة من قطعان المستوطنين فقدوا قبل أكثر من أسبوعين يعكس حالة غياب المساندة العربية للقيادة والشعب الفلسطيني في مواجهته وهو يأخذ منحى تصعيديا خطيرا، فجند الاحتلال يقتحمون المنازل وغرف النوم بطريقة همجية بحثا عن قطعانهم، يرتكبون كل الفظائع بقسوة معهودة، لكنها هذه المرة أكثر حدة، تنفيذا لتعليمات المتطرف الأكبر بنيامين نتنياهو، خوفا من تعرض حكومته لاختبار تبادل أسرى جديد مع الفلسطينيين بأعداد أكبر مقابل الثلاثة المفقودين من قطعانه وهو ما يعرضه للإذلال مثلما حدث في واقعة الجندي شاليط.لقد أصدرت كل من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بيانين مقتضبين، فضلا عن بيانات لعدد قليل من الدول العربية والإسلامية تنديدا بممارسات الكيان ولكن ماذا بعد؟ لا شيء، فالعدوان لم يتوقف والاعتقالات في صفوف الفلسطينيين في الضفة تتزايد، لم تترك قيادات وعلى رأسهم رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك، فضلا عن نواب حاليين وسابقين في المجلس، بالإضافة إلى عشرات من الشباب وفي قطاع غزة الغارات تصل بنيرانها أحياءه وبيوته وسكانه، بل ثمة تهديد بتصعيد عسكري وإعادة إنتاح محاولة اقتحامه عسكريا.واللافت أن أنباء هذا العدوان أمست بمنأى عن الصفحات الأولى للصحف العربية، إلا ما ندر أو أخبار وتقارير الفضائيات والإذاعات وهو ما يدفع الكيان إلى الشطط في عدوانه وانتهاك حقوق الفلسطينيين ما دام العرب مشغولين بتداعيات الربيع الذي تحول إلى شتاء شديد البرودة والقسوة، لأن ثمة من سرق جذوته وقلل من سطوته، وتوشك قضية الأمة الأولى على البقاء أسيرة في دائرة الغياب القسري.