12 سبتمبر 2025
تسجيلتلوح في الأفق حرب تجارية ضارية بين الاتحاد الأوروبي والصين التي يحتل اقتصادها الآن المركز الثاني، كأكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة والتي لن تكون بدورها بعيدة عن هذه الحرب التي يحاول الجانبان تفاديها بشتى الطرق، وذلك لتجنب أضرارها البالغة ليس على اقتصاد الجانبين فحسب، وإنما على الاقتصاد العالمي ككل. والبداية كانت مع إعلان الاتحاد الأوروبي مؤخرا عزمه فرض رسوم لمكافحة الإغراق على واردات الألواح الشمسية الصينية بنسبة كبيرة تبلغ 47% اعتبارا من بداية شهر يونيو الجاري، وتهدف هذه الخطوة إلى حماية الاستثمارات الأوروبية الكبيرة الموظفة في إنتاج الألواح الشمسية عالية التكلفة، مقابل الألواح الصينية الرخيصة. وردت الصين بسرعة على الخطوة الأوروبية معلنة فتح تحقيق لمكافحة إغراق أنابيب الصلب عالية الأداء من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان، تلتها بخطوة أخرى تتعلق بفتح تحقيق آخر حول واردات النبيذ القادمة من الاتحاد الأوروبي، مما ينذر بحرب تجارية لا يرغب أي من الطرفين في حدوثها. وفي هذا الشأن ذكرت صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الحاكم في الصين "أن الصين تحاول تجنب حرب تجارية مع أوروبا"، كما أن المتحدثة باسم وزارة التجارة الصينية صرحت بأن "بلادها تريد التفاوض مع الجانب الأوروبي بشأن القضايا موضع الخلاف من أجل الحفاظ على التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني - الأوروبي". من جانبه دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى عقد اجتماع للاتحاد لبحث النزاع التجاري مع الصين والذي يهدد بإلحاق أضرار بصادرات فرنسا، في حين رفض الاتحاد الأوروبي الاتهامات الصينية بشأن عملية الإغراق. تأتي هذه التهديدات والتهديدات المضادة في وقت يمر فيه اقتصاد الجانبين بظروف صعبة تتطلب التعاون، فالأزمة المالية ما زالت تعصف بمنطقة اليورو، وذلك رغم انخفاض حدتها في الآونة الأخيرة، في حين هناك مؤشرات إلى إمكانية انفجار فقاعة ائتمانية في الصين ربما تشكل تهديدا للاقتصاد العالمي ككل، حيث ارتفع إجمالي الائتمان من 9 تريليونات دولار قبل الأزمة إلى 23 تريليون حاليا وفق وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني. ومع أن كل طرف يحاول تحقيق مكاسب تجارية إضافية لتعزيز موقعه في التجارة الدولية، إلا أنه يسعى في الوقت نفسه إلى تجنب حرب تجارية مدمرة، علما بأن النمو الاقتصادي العالمي الهش لا يمكنه تحمل مثل هذه الحرب بين أكبر اقتصادين عالميين بعد الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك هناك احتمالان حول سير تطور الأحداث والتي ستجد لها انعكاسات ذات طابع عالمي، الأول أن تنجح المفاوضات بين الجانبين ويتم تجنب النزاع، وذلك من خلال التوفيق بين مصالح الطرفين، وبالأخص الاتفاق حول التعاون بين مصنعي الألواح الشمسية الأوروبية والصينية، خصوصا وأن هناك طلبا عالميا متناميا على هذه المنتجات، وذلك بفضل المشاريع الضخمة المنفذة والمتوقع تنفيذها في العديد من بلدان العالم في السنوات القليلة القادمة، وبالأخص بعد انخفاض تكاليف إنتاجها بفضل التقنيات الصينية. أما الاحتمال الآخر، فإنه يتمحور حول فشل المفاوضات ودخول الطرفين ومعهما العالم في حرب تجارية تأتي في غير موعدها وستقضي على الآمال الضعيفة بشأن تعافي الاقتصاد العالمي، وبالأخص اقتصاد منطقة اليورو والاقتصاد الصيني المهدد بالتباطؤ. وإذا ما حدث ذلك، فإن غبار الأزمة سوف يصيب الجميع، ففي الوقت الذي ربما تنخفض فيه أسعار السلع الواردة من أوروبا والصين والعديد من المناطق، فإن التردي الاقتصادي سوف يؤدي إلى انخفاض الطلب على مصادر الطاقة، بما في ذلك النفط والغاز، مما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى ما دون المائة دولار للبرميل. ولتفادي ذلك، فإنه تمكن للبلدان المؤثرة اقتصاديا المساهمة في حل الخلافات القائمة بين الجانبين الأوروبي والصيني وإشراك منظمة التجارية العالمية والتي تملك بنية قانونية وتشريعية تتيح حل الخلافات بالطرق الودية، حيث سبق لها وأن أسهمت في حل العديد من الخلافات التجارية بين بلدان العالم، مما قد يوقف اشتعال هذه الحرب ويجنب العالم هزة اقتصادية جديدة.