11 سبتمبر 2025

تسجيل

متى يتعلم الأمريكيون الدرس؟

30 يونيو 2012

تعرضت الشقيقة مصر قبيل إعلان فوز الدكتور محمد مرسي في انتخابات الرئاسة على منافسه الفريق أحمد شفيق، لحملة أمريكية سافرة، كانت نموذجا مرفوضا للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، خرجت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بتصريحات زعمت فيها أن المجلس العسكري المسؤول على إدارة المرحلة الانتقالية في مصر يتباطأ في تسليم السلطة للمدنيين وأنه يسلب صلاحيات الرئيس المقبل.. وما هي سوى لحظات قليلة على نطق هيلاري كلينتون بهذا الكلام غير المسؤول، حتى رد عليها الإعلام المصري بكل صوره تقريبا مستقل وحكومي وحزبي، ولم يتوان حزب أو حركة أو ائتلاف سياسي وإلا رد على التصريحات غير المسؤولة للوزيرة الأمريكية. وكان ملخص الردود المصرية الإعلامية والحزبية والسياسية وحتى الأحزاب الدينية أنه ليس من حق أي مسؤول أجنبي أيا كانت الدولة التي يمثلها أن يتدخل في الشأن الداخلي المصري، وقامت الدنيا ولم تقعد في مصر على أقوال كلينتون ووصفوها بأنها " صفاقة أمريكية". وأخرج كل المصريين كل ما في الأرشيف الإرهابي الأمريكي ليذكروا السيدة كلينتون بتاريخ بلادها الأسود في قتل الشعوب ومشاركتها في العديد من الانقلابات العسكرية ضد حكام لا ترغب في وجودهم وتراجعها عن مساندة حكام طالما ساعدوا واشنطن التي تتخلى عنهم بسهولة. وإذا كانت كلينتون قد استغلت حالة الفراغ السياسي عشية إعلان نتائج انتخابات الرئاسة مستغلة حالة الغليان بين المعسكرين المتنافسين هناك، فإن المصريين اجتمعوا على قلب رجل واحد وأفهموها أن تلعب بعيدا عن مصر وكفاها ما فعلته في العراق. وهنا في البحرين، اقترب الوضع نوعا بما فعلته كلينتون، أحد منسوبيها وهو سفيرها في البحرين والذي لم يراع الأعراف الدبلوماسية وخالفها وادعى زيفا بأن المملكة لا تراعي مبادئ حقوق الإنسان، وهي المبادئ التي نسيتها بلاده تماما في تعاملها مع شعوب العالم، والعراق أقرب نموذج أمامنا، ثم إن شعب أفغانستان ليس ببعيد عن آلة القتل الأمريكية التي تفتك بالعشرات والمئات هناك بحجة محاربة القاعدة هناك، في حين أن واشنطن هي التي خلقت القاعدة وطالبان في هذه البقعة من الأرض. ولعلي أتفق هنا مع رأي أحد النواب عندما علق على الحوار الذي أجرته إحدى الصحف مع السفير الأمريكي، فالحوار يكشف خطورة هذا الرجل الذي لا يكتفي بالعمل الدبلوماسي، فهو يمثل خطرا على الأمن القومي للبحرين خاصة ومجلس التعاون عامة. ولم نعرف حتى الآن لماذا كل هذا الاستعلاء الذي يتحدث به السفير الأمريكي خارجا عن اللياقة الدبلوماسية.  وأعتقد أن النائب أصاب عندما وصف السفير الأمريكي بأنه سفير لدولة قاتلة مجرمة، ذبحت مئات الألوف في العراق وأفغانستان بدم بارد، وتزهق الأنفس البريئة في باكستان بطائراتها القاتلة، وتعيث في الأرض فسادا، وتعتقل الأبرياء بغوانتنامو، وتتآمر على قتل الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، ففاقد الشيء لا يعطيه. ولهذا، لا يحق لمثل هذه الشخصيات بأن تتدخل في شؤوننا الداخلية وتمنح لها الحق في تعليم الشعب البحريني دروسا عن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية، ونحن لا نقبل منه دروسا، وعليه أن يوجهها لقياداته في بلاده.  وإذا كنا تطرقنا إلى موقف أحد ممثلي الشعب فإن هذا المطلب هو مطلب جميع مكونات الشعب البحريني الذين يؤكدون على هذا الرأي فقد ضاق مجتمعنا ذرعا بهذه التصرفات غير المسؤولة وهنا لابد لنا أن نعيد ما أكد عليه حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى خلال ترؤس جلالته جلسة مجلس الوزراء الأسبوع الماضي بحضور صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء. فجلالة الملك طالب الإعلام البحريني بأن يكون له دور بارز واستباقي وألا يكون قائما على ردود الأفعال فقط، بل يجب أن يكون إعلاما فاعلا في خدمة الوطن واستقراره. ولهذا، نحاول إبراز مواقف السفير الأمريكي المخجلة والخطيرة في الوقت نفسه، انطلاقا من قول جلالة الملك بأن البحرين ولله الحمد قادرة برجالها المخلصين على حفظ أمنها مهما تنوعت أساليب الإرهاب. ولم تكن المطالب بضرورة تحرك أجهزة الدولة لوضع حد لهذا الرجل الذي يتحرك بأجندة خطرة على الأمن القومي، وأن تتقدم الخارجية بشكوى إلى الجهات الأمريكية ضده، سوى كون هذا المطلب المهم هو مجرد وسيلة لوقف تحركات هذا السفير المشبوهة. "نعم.. إرهاب" فما يفعله هذا الشخص غير المرغوب فيه وهو تحريض سافر لبث الكراهية والعنف والإرهاب في مجتمع يسمو للتسامح لولا تصرفات البعض البعيدة تماما عن الدين والتي تخل بالأمن والاستقرار.. وعندما يقول جلالة الملك المفدى إن شعبنا قادر على إدارة خلافاته والتحاور بشأنها دون وساطات خارجية، فالمعنى واضح وهو أن الشأن البحريني هو شأن بحريني ولا نريد تدخلا من أحد أو يعلمنا دروسا.. لا هذا السفير ولا غيره. ولنا في ملف العلاقات الخليجية – الأوروبية النموذج الأمثل للعلاقات الإستراتيجية بين كتلتين إقليميتين كبيرتين مثل مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، فمثلا الاجتماع الوزاري المشترك الأخير للحوار الاستراتيجي بين الجانبين حدد أولويات التعاون.. وهي العمل على تعزيز العمق الاستراتيجي للعلاقات، والعمل معا لتعزيز السلام والأمن والتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي والرفاهية والتنمية المستدامة وتشجيع التواصل بين الشعوب.. ولم يطلب الأوروبيون التدخل في شؤون دولة من دول المنطقة أو فرض الوصاية عليها أو الإيعاز بتبني موقف معين، وهذه هي أصول التعاون البناء والعلاقات المتميزة بين الدول. ويا ليت الأمريكيون يتعلمون هذا الدرس.