13 سبتمبر 2025
تسجيليمثل التنوع الاقتصادي أحد أهم الأهداف الإستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك منذ أن اعتمد هذا التوجه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما إثر انهيار أسعار النفط في عام 1986 وتدينها لسبعة دولارات للبرميل فقط، مما استدعى الأخذ بسياسات التقشف وشد الأحزمة وتأجيل العديد من المشاريع بسبب تخفيض الإنفاق. ومنذ ذلك الوقت تفاوتت النجاحات التي حققتها دول المجلس بصورة كبيرة نسبيا، حيث حققت دول الإمارات وقطر والسعودية تقدما ملحوظا لتحقيق التنوع المنشود في مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، إذ تم تنمية قطاعات مهمة، كالسياحة والخدمات وبعض الصناعات الحديثة في دولة الإمارات والصناعة المعتمدة على الطاقة والمنتجات الاستهلاكية في المملكة العربية السعودية وصناعة الارتباطات الأمامية للغاز والعديد من الخدمات في دولة قطر. وفي الوقت نفسه حققت كل من البحرين وعمان بعض التقدم، الأولى بفضل أسبقيتها في إقامة مركزها المالي منذ منتصف السبعينيات والثانية من خلال استغلال موقعها المميز، إلا أن هذا التوجه الإستراتيجي للبلدين بحاجة لاستثمارات إضافية في السنوات القادمة. ولكن دولة الكويت وحدها تراجعت فيها مساهمة معظم القطاعات الاقتصادية غير النفطية بعد الغزو العراقي في عام 1990 وبالأخص بعد انتقال مئات الشركات والمؤسسات الأجنبية إلى مناطق أخرى في المنطقة، بما فيها مؤسسات مصرفية واستثمارية مهمة. تزامن ذلك مع تطورات داخلية مؤثرة تمثلت في غياب الاستثمارات المحلية من قبل القطاعين العام والخاص والتي أصبحت شبه معدومة وتقتصر على الحد الأدنى الموجه لتلبية بعض الاحتياجات المحلية، في الوقت الذي اشتدت فيه التجاذبات السياسية العقيمة بين الدولة ومجلس الأمة الذي لعب وما زال دورا سلبيا في المجال الاقتصادي وأدت قراراته المتسرعة وغير المدروسة إلى هروب رؤوس الأموال وإلغاء مشاريع تنموية مهمة، كالمشروع البتروكيماوي الضخم مع شركة "داو كيمكل" الأمريكية والتي رفعت قضية تعويض بمبلغ 2.1 مليار دولار ضد الكويت وكسبتها الشهر الماضي، مما جعل الخسارة الكويتية مزدوجة. والحال، فإن الكويت لم تشهد خلال العقدين الماضيين تنفيذ أي مشاريع تنموية ذات قيمة اقتصادية كبيرة وازداد اعتمادها بصورة متزايدة على عائدات النفط والتي تضاعفت وأسهمت تجنب تنمية القطاعات غير النفطية، وذلك بدلا من أن تساهم في تطوير هذه القطاعات والذي يأتي ضمن التوجهات المستقبلية لتنويع مصادر الدخل الوطني. ولم يقتصر الأمر على تنفيذ المشاريع الجديدة، وإنما تراجعت قطاعات فعالة، كالخدمات المالية والمواصلات، حيث تقف شركة الطيران الكويتية على شفا الإفلاس مستندة فقط على العكازة الحكومية. أما قطاع السياحة، فإنه لا ذكر له، وذلك رغم مهرجان "هلا فبراير" السنوي، في حين لم تستفد الكويت من موقعها المميز لتنمية دورها في التجارة الإقليمية والعالمية. وإذا ما استمر الحال على هذا المنوال - ونتمنى ألا يستمر - من منطلق حب الكويت ولكونها جزءا مهما من التكتل الخليجي، فإن صعوبات حقيقية ستواجه الكويت بعد عقدين أو ثلاثة عقود على أكثر تقدير، فالاحتمالات في هذا الجانب واردة لأكثر من سبب، سواء لارتباط ذلك بالثروة النفطية الناضبة ذاتها أو بتطوير مصادر الطاقة البديلة سريعة النمو. ومع أنه ما زال هناك متسع من الوقت، فإنه يمكن أن يتم اتخاذ خطوات عملية وسريعة للحاق بشقيقاتها في المنظومة الخليجية، حيث يمكن الاستفادة من تجارب دول المجلس الأخرى، وبالأخص الإمارات وقطر والسعودية، إلا أنه لتحقيق ذلك لابد من إيجاد الأرضية اللازمة والمتمثلة في الانسجام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت. لقد فوتت الكويت على نفسها فرصا تنموية مهمة بسبب المشاحنات والتجاذبات السياسية العقيمة في مجلس الأمة الذي يفترض به أن يهتم بمستقبل الأمة ويساهم في تنمية المجتمع من خلال إيجاد مصادر بديلة للدخل. ولتحقيق ذلك بجدية وحرص، فإنه يمكن تخصيص دورة واحدة من كل فصل تشريعي لمجلس الأمة تسمى " الدورة الاقتصادية " بحيث تتناول فقط القضايا الخاصة بالتنمية وتنويع مصادر الدخل وإقرار مشاريع تساهم في عملية التنوع وتطوير القطاعات الاقتصادية غير النفطية وسن التشريعات التي تقدم المزيد من التسهيلات للمستثمرين ورجال الأعمال ومتابعة التقدم الذي أحرز بين دورة وأخرى والاهتمام شفافية تنفيذ الأعمال من كافة النواحي. ربما يكون هذا الأمر صعبا في ظل تضارب المصالح داخل المجلس والاهتمام بالمقعد النيابي على حساب التنمية من قبل الأعضاء، إلا أن الكويت تستحق الاهتمام بمستقبلها لتبدو دولة متقدمة اقتصاديا سواء بالنفط أو دونه.