15 سبتمبر 2025
تسجيلالعبادة يقصد بها من الجانب اللغوي الخضوع لمن يؤمن به، وفي الإسلام هو الخضوع لله تعالى: لأوامره ونواهيه، وهما يشملان العقيدة والشعائر التعبدية، والمعاملات، وتعمير الكون، والعلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبينه وبين الحيوان والبيئة. وهذا المعنى يشمل التعبد والالتزام في مجال القلب والنفس، والروح والعقل، وفي نطاق اللسان والسمع والبصر والجوارح، وبعبارة أخرى يشمل الإيمان والإسلام والإحسان، كما يشمل التعمير والتنمية والتزكية. ولا شك أن هذه الالتزامات بعضها أولى من بعض، أو أقوى، ولها مراتب ودرجات تدور في دائرة الأوامر بين الفريضة، والواجب والسنة والاستحباب، وفي دائرة النواهي بين التحريم، وكراهة التحريم، والكراهية، وتبقى دائرة المباحات واسعة كبيرة، حتى يبقى أمام الإنسان سعة ويسر ومرونة دون حرج، وعسر وضيق. وبجانب هذا المعنى العام للعبادة، فقد أطلقت على معناها الخاص بالتوحيد وعدم الإشراك، والشعائر التعبدية من الذكر والسلاة والصيام والحج ونحوها. إذا تدبرنا آيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة يظهر لنا بوضوح أن هذا الدين القيم الخاتم الذي أكمله الله تعالى يتكون من ثلاثة مكونات أساسية لا يجوز الانتقاص بواحد منها على حساب الآخر، وهي: (1) الجانب العقدي المرتبط بالتدين القلبي، وهو الذي سماه الرسول المبين صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المعلم بالإيمان بالله ملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. (2) الجانب العملي الأساس، وهو بمثابة الينبوع الذي تنفجر منه كل الخيرات، وهو الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالإسلام وبيّن أركانه الخمسة من الشهادة بتويحد الله تعالى، وأن محمداً رسول الله، الصلاة والزكاة، والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وتلك الأركان الخمسة ربطها الله تعالى بالصلاح والإصلاح وجعلها وسيلة لسلامة القلب وتزكية النفس وصلاح العمل، والامتناع عن كل معصية، وإيذاء للآخرين. وحتى العبادات الشعائرية ربطت بالقيم والأخلاق والسلوكيات الراقية النافعة.(3) الإحسان الذي فسّره النبي صلى الله عليه وسلم بمرجعيته، فقال في حديث جبريل المشهور الذي سأله عن الاسلام ، والايمان، ثم قال: (فأخبرني عن الاحسان؟) قال صلى الله عليه وسلم: (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) قال جبريل: (صدقت). ولكن الإحسان المبني على هذا الأساس - أي أساس التقوى - شامل لمعانيه اللغوية، وهي: الإتقان، وعمل الخير، وفعل ما هو الأحسن - أي الجودة والابداع- في جميع مجالات الحياة، والرحمة التي هي أساس جميع القيم والأخلاق.