15 سبتمبر 2025
تسجيلموجوع على الوطن، أمضي مغزولا بالحزن، أتوكأ على عصاي، أبحث عن غنمي كي أهشه بها، لكن الذئاب سرعان ما تقفز على بعض منه، بقيت ساكنا غير قادر على الحركة كي أحمي بقية غنمي من بعيد، تراءت لي طيورا وعصافير تغني، فارتميت على ظلالها، سعيت للحاق بها، باغتتني بالحضور، عزفت لها نشيد الإنشاد، قبلت وجناتها، فتدافعت نحو غنمي أهشه بعصاي، استعدت بعضا من عافيتي، هي الثورة إذن تحرك أشواقي لامتلاك ناصيتي ومقاديري بعد أن غنيت مع رموز البراءة نحتاج إلى ثورة مبرأة من القهر ومن الغناء المتعدد الأصوات، من ميدان القلب أتحدث عن ثورتي ثورة البسطاء والشعراء والمغنيين للوطن والراحلين في مدى البلاد، بعيدا عن الأنا المتضخمة وسطوة الشعور المفرط بالذات، فالأمة تنادينا والسماء تهب أمطارها لمن يلبي النداء، والماء يتدفق من الأراضي اليابسة إذا ما قررنا الدخول في دائرة الفعل وغادرنا منطقة الكلام المكرور والممتزج بمرارة أسى السنوات الفائتة من ميدان الروح، أناديكم أمد يدي إلى من يقبل تميمة العزة ويصاهر قامات الرجال المنتفضة بحثا عن جوهر المحروسة الذي سكب عليه البعض طوال ثلاثين عاما زيت العتمة فاحتشد بأحشائه الرماد وسكنته بقايا ذئاب مفترسة رغم ملامحها التي تشبهنا لكنها كانت سادرة في غيها ساعية لفرض الجوع علينا ورسم ملامح العجز على وجوهنا التي غادرتها الابتسامات، فباتت مجرد لوحات غير قابلة للذوبان في نهر الحياة المفعم بالبهجة المستدامة شملنا العسس والبصاصون برعايتهم، أشبعونا من رائحة الدماء المستباحة والصمت الرهيب والأغاني المفروضة قسرا، ورياح الجوع التي تعصف بالبطون والأرواح والأفئدة، حاصرونا في الأزمنة والأمكنة، لم تكن ثمة منافذ سوى ما يغزلونه بخيوطهم الواهية فيصدقهم البعض، بيد أن سرعان ما تنهار نتيجة الحمل الكاذب، سكبت الدماء وحفرت القبور وهدمت منازل ومعابد وساحات خضرة، وانتشر اليابس، وتدافعت الأنفس بحثا عن قطعة خبز ونافذة حرية، لكن السلطان كان بالمرصاد كبتا وقهرا وسجنا وقتلا ومسخا ورفضا للشعر وخنقا للطيور التي قررت الهجرة للشمال وللجنوب لكل الجهات، من منا امتلك القدرة على الإبحار بعيدا لاحقه حرس الحدود وقتلته رصاصة طائشة وخطفه رجال سريون عبثوا بكينونته وبعزه وأذلوا رجولته في الغرف المغلقة وفي الصحاري حتى لا ينبس ببنت شفة عن سيد البلاد المبهور بالسلطة ومجد الزمن الآتي، من حاول الاقتراب من أسوار قصور السيدة باغتته الأسود والفهود والنمور المهيأة في كل وقت لتمزيق جثث وقلوب وعقول أصحاب المحاولة كان الوطن نهشا للسيد والسيدة والقادم الجديد من بلاد الفرنجة حاملا حاسوبه ووجهه الزجاجي وصحبته من رفاق المال والجاه، من أين جاءوا إلى البلاد؟ وكيف ولدتهم أمهاتهم؟ وهل كان لهم أب يهدهدهم ويدفع بهم إلى مناطق الحنو يصحبهم إلى ضفاف النيل أو شواطئ البحار القريبة أو الحدائق المحملة بالخضرة والورود ورائحة الياسمين؟ هل كانت لهم شقيقات وأشقاء يتبادلون معهم الأحلام وينظرون معا إلى قمر الصيف ونجوم الشتاء وهدنة طقس الربيع ودهشة الخريف فتترطب قلوبهم وتتجرد من القساوة وتقترب من رائحة البراءة وتغني للسماء والشمس عندما تصيب البشر بدفئها، هل كانت لهم قلوب في الأصل؟ وأين سافرت بعد أن اقتربوا من دائرة السلطة؟ كيف كان قلب السيد الكبير والسيدة والسيد الصغير الذي حلم بأن يكون كبيرا؟ هل كانت هذه القلوب على دراية بمعنى النبض بحقيقة الدقات المتواليات وهل كانت على معرفة بفيض المشاعر التي تنتاب البشر؟ وهل أدركت الجوهر الإنساني؟ ألم تقض مضاجعها صور الجوعى والحيارى والباحثين عن الرغيف وقطرة الماء والراقدين على الأسرة البيضاء في انتظار حبة دواء أو عملية جراحية تستعصى على إمكاناتهم؟ غابت الرأفة عن هذه القلوب التي سكنتها رغبة واحدة في امتلاك الوطن وسحق البشر والارتواء حتى الثمالة من كل شيء دون أن يتركوا ولو بقايا لمن كانوا يبيتون ليلهم ببطون فارغة بعد أن ضاقت بهم السبل بحثا في أكوام قمامة أصحاب القامات العالية في شوارع المدن المغلقة عليهم والقصور الفارهة المدججة بالسلاح والذئاب البلاد كانت مستباحة لهم ولأعوانهم من رفاق الليل وندماء الكؤوس وحاملي حقائب المال الحرام وسارقي الحدائق وقاطعي الطرق وناهبي البنوك وبائعي كنوز الوطن للأعداء جاء أوانهم الآن كي يكتبوا شهادة نهايتهم ويتفرغ الوطن لصياغة روزنامة أحلامه ورسم انبثاق شمسه الجديدة وأفقه المغاير ورائحته المختلفة المغزولة بدم شهدائه وأحراره، حان زمان رحيلهم لم يعد بكاؤهم العبثي قادرا على أن يغرينا بالعفو أو المسامحة فشيمتهم كانت الغدر، لم يعد بوسع بقاياهم بث الرعب فينا أو إغلاق النوافذ وسد الطرق وامتهان الكرامة رغم سطوتهم المستورة وصورتهم المستوحاة من زمن غابر بائد، هم إلى هلاك وزوال ورحلة نسيان وصفحة سيغلقها التاريخ للأبد، هم كانوا في الواجهة صورا مذمومة حالكة معتمة ودخلوا الآن كهوفا لن يخرجوا منها أبدا لن يخرجوا منها. السطر الأخير: راحلا في مداك هو سر انبثاق الشمس مفصل وجودي باعثا لحضوري معتما لغيابي قوميني أيا رحلة تكويني في غيابات جبك في قمرك المغزول بعينيك يمنحني هدأتي وسكوني (2) في البحر عثرت عليك وفي النهر رسمت عناوينك حططت رحجالي بقدسك تلبستني حقولك تهيأت لرياحك أفردت أشرعتي ضفافك تناثرت اقتربت فغادرنا الرحيل تهاوى السفر عاد السندس تبوأت وجه المدينة فسرى فيضك بالروح انهمر (3) عانقتني بهجتك القديمة ارتويت لكنني أيا سيدة القلب ما زلت عالقا بجبك أترقب طلوعك سحابة تغزل حزني بالمطر (4) في البلاد \\ المطارات \\ الموانئ \\ الشوارع \\ الحارات \\ متاجر المدن \\ وجهك وشم اسمك قصيدة لم تغادرني في الصباحات \\المساءات الصحو \\ السبات في حروف الجريدة في عنفوان الجبهات مراسيلي إليك في كل الجهات رسمتك -وما زلت - حلمي بكل اللغات.