16 سبتمبر 2025

تسجيل

فرنسا ومسلموها.. قيم الجمهورية تنتصر على العنصرية

30 أبريل 2021

هزت جريمة إرهابية أخرى الرأي العام الفرنسي والعالمي، حين طعن شاب من أصل تونسي معتوه (تحت العلاج العقلي) شرطية فرنسية بريئة أماً لولدين، وهي جريمة صنفت منطقياً ضمن الإرهاب، لأن هذا المجرم المريض صرخ (الله أكبر) تعالى الله عما يصفون!، ولكن عديد المنفلتين المصابين بأمراض عقلية يقتلون أبرياء في فرنسا وفي العالم دون إثارة حساسيات سياسية تتعلق بالوضع الانتخابي، فالرئيس المباشر ماكرون يواجه تحدياً كبيراً من اليمينية المتطرفة (مارين لوبان) التي نافسته في انتخابات 2017 وستكون أقوى في انتخابات 2022 مما يضع على طاولة الجدل والسباق المحموم ملف الهجرة بل ملف الجالية المسلمة في فرنسا، بينما دولة القانون تتحرك للحد من المزايدات السياسية بقضية تواجد المسلمين في فرنسا، ونتذكر كيف ألغى مجلس الدولة أعلى هيئة قضائية تلك القرارات العشوائية التي اتخذها بعض عمداء مدن فرنسية ساحلية لمنع النساء المسلمات من ارتداء (مايو) شرعي للسباحة لأسباب تتعلق بجلب الناخبين من الأحزاب اليمينية العنصرية إلى حظيرة أحزابهم وحتى يتجدد انتخابهم!. وتداول الناس هنا فيديو على مواقع الاتصال يجلب العار لمن أساءوا لسيدة محجبة لم تعتد على أحد ومع الأسف لهذه الدولة التي تأسست فيها مواثيق حقوق الإنسان ويظهر فيه بعض رجال الشرطة يجبرون سيدة فرنسية مسلمة على نزع ثيابها أمام أولادها وأمام جمهور فرنسي ساكت لم يستوعب خطورة هذه الممارسة الاعتباطية وعلق بعض الفاسبوكيين قائلين: ما الفرق إذن بين دواعش يجبرون المرأة على لبس الحجاب وبين شرطة فرنسية تجبرها على نزعه؟، كلاهما لا يحترم لا الحرية ولا المعتقد، بهذا القرار العادل من مجلس الدولة تستعيد الجمهورية الفرنسية قيم العلمانية الحقيقية القائمة على احترام كل الأديان، ولا تسمح بشن حرب على دين من الأديان لأنه فقط مختلف، انتصرت فرنسا الإنسانية ذات القيم الجمهورية العلمانية وهي ذات الأغلبية على فرنسا الأقلية العنصرية الجهولة ذات الذاكرة الحية من عهد الاستعمار. والأحداث الأخيرة كما عشناها تختصر في مشادة وقعت منذ أسبوعين في أحد شواطئ جزيرة كورسيكا حين تهاوش شباب فرنسيون مع شباب مسلمين حول إحدى أخواتهم المحجبة فصارت بين الجانبين مشادة عادية كما يقع يومياً في أي مكان في العالم، لكن هذه الحادثة البسيطة أخذت أبعاداً سوسيولوجية وسياسية أكبر من حجمها، فوظفتها التيارات اليمينية لغايات انتخابية، وبدأ بعض رؤساء البلديات يتبارون في إصدار قرارات لمنع ما سموه تندراً (البركيني) أي مزج كلمتي بيكيني وبرقع، وبدأ أوروبيون من أبناء الاتحاد الأوروبي ومن الغرب يستهجنون هذه القرارات لما تحمله من إذكاء الكراهية بين أفراد الشعب الواحد وصب الزيت على نار الحركات العنصرية لإعلان حرب اجتماعية ضد دين من الأديان، وتكلم عمدة لندن الصادق خان الذي انتقد ممارسات بعض العناصر العنصرية التي تغذي (الإسلاموفوبيا) في وطنه أو في أوروبا فقال إن ما وقع في فرنسا منكر جيب القانون الدولي يجب تغييره، وبالفعل غير مجلس الدولة هذا المنكر، كما تكلم رئيس الشرطة في سكتلندة (فيل غورملي) قائلا إن بلاده تشغل في شرطتها سيدات مسلمات وأقرت لهن لباساً رسمياً بالحجاب احتراما لعقيدتهن، وحتى في صلب قمة السلطة في باريس ذاتها نتذكر أنه عام 2016 عبرت وزيرة التربية والتعليم السيدة نجاة بلقاسم (وهي من أصل مغربي كانت راعية أغنام في المغرب وأصبحت وزيرة في فرنسا) عن رأيها بحماس لتعارض رئيس حكومتها السيد (فالس)، فقالت إنها تعتبر منع اللباس الشرعي خطأ وتدشيناً لمرحلة خطيرة من الحقد على خمسة ملايين مسلم مقيم في فرنسا أربعة أخماسهم حاصلون على الجنسية الفرنسية، ومنهم الأطباء والمهندسون والعلماء وأبطال أولمبيون ورؤساء شركات ومصارف وكوادر عليا في الإدارة والأمن. أنا شخصياً أعيش في فرنسا منذ أربعين عاماً منذ جئتها منفياً من وطني مع رفاق درب من قدماء وزراء بورقيبة فأوتنا فرنسا ومنحتنا اللجوء السياسي وولد أولادي هنا وتربوا ما بين فرنسا ودولة قطر وهي الدولة العربية الوحيدة التي وهبتنا الأمان وشرف العمل فيها كما كنا نشارك في مؤتمرات فكرية في عديد الدول الأوروبية والخليجية، وكانت حياتنا في فرنسا متميزة بسبب ثراء الثقافة وتنوع الأعراق وتوفر هامش الحرية المضمون بالدستور، فلم نشعر يوماً أننا مظلومون أو مضطهدون بل بالعكس وجدنا من بين نخبتها في أعلى المستويات من ساندنا وحمانا حين كنا مهددين بالمحاكمات الكيدية ومخاطر الجلب عن طريق إنتربول في بداية التسعينيات. [email protected]