12 سبتمبر 2025

تسجيل

حديث السوء في النفس

30 أبريل 2015

لقد أوجد الله الإنسان في هذا الكون وسخر له كل شيء وفق علم الله تعالى وإرادته، وخلق الظواهر الطبيعية وأجرى الأفلاك والأجرام السماوية وفق نظام معين وناموس محكم، ظلال وعتمة ثم صبح وإشراق ليل دامس ثم نهار مضيء، قمر يظهر ويختفي ونجوم تبدو وتتحرك ثم تحتجب وتستتر، وقد أمرنا الخالق القادر أن نلجأ إليه وحده دون سواه وأن ندعوه ليحمينا من شر الخلق ويقينا من أذى مخلوقاته ومن نفوسهم المظلمة، فهذا أمر إلهي بالاستعاذة بالله والالتجاء إليه والاستعانة به لدفع شر عظيم شر قد يسهو الناس عنه فلا يبالون به، لأنه يأتيهم من ناحية شهواتهم وتتلبس به قواهم من حيث لا يشعرون فيقعون في سيئات الأعمال وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولما كان من خفاء بحيث تضعف قوة الإنسان عن دفعه بسهولة احتاج المرء إلى الاستعانة عليه بالله واللواذ بجواره منه، وذلك الشر هو الوسواس الذي يلقى أحاديث السوء في النفس ويوسوس لها بالمفاسد والآثام والشرور، فيتجه بها وجهة سوداء شريرة بعيدة عن الإخلاص والإشراق والصفاء، وذلك الوسواس يرجع إلى النفس في حالات ضعفها فيتمكن منها بوساطة حديثه الكاذب وأراجيفه التي يوسوس بها في الصدور والقلوب.إن الشيطان يريد أن يكون الإنسان عاصيا لربه فإذا رفض الإنسان طاعته في معصية بعينها فلا يلح عليه فيها وينقله إلى معصية أخرى ولنعلم أن الله عز وجل قد سلط على الناس من يوسوس لهم ويغويهم، وذلك من أجل المجاهدة والفتنة والاختبار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه، قالوا: وأنت يا رسول الله قال: نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير ) رواه مسلم، فهذا القرين يزين للإنسان الفواحش ولا يدخر جهداً في إغوائه والمعصوم من عصمه الله، لقد طرد الله عز وجل الشيطان من رحمته وجعله رجيما مبعدا، فأعلن الشيطان عداوته لبني آدم وطلب إنظاره إلى يوم القيامة وأقسم أنه سيزين للناس المعاصي في الدنيا، أما النفس فالمعصية عندها ثابتة تلح على صاحبها لكي يفعلها ويتعود عليها والشيطان هو الذي يوسوس بداية بالمعصية ولكن اعتياد المعصية يرجع إلى النفس وعدم جهادها، فمجاهدة النفس فريضة على كل مسلم، فالنفس يمكن محاربتها بمجاهدتها وهناك عبارة مشهورة كان يرددها كثير من الصحابة بعد رجوعهم من المعارك وهي: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس، فإن وسوسة النفس والشيطان تأتيك بالترغيب بالخير ليصل معك إلى الشر، عمل ظاهره خير وحقيقته شر، يغريك بالمال الحرام مثلا ويوسوس إليك بأنك محتاج لهذا المال وأنك ستأخذه كسلفة وتعيده عندما يتيسر حالك وتمد يدك فتفرج أزمتك ولكنك لا تستطيع رده، بل إنك تحس أن هذه الطريقة سهلة وتمضي في هذا الطريق، فالشيطان يوقع العداوة بين العبد ونفسه، فعليك أن تتذكر ما أمر الله به ونهى عنه، وتتذكر عقاب الله وجزيل ثوابه ووعده ووعيده فتبصر السداد وتعرف طريق الحق والخير وترفض وساوس الشيطان، وما على المرء إلا التحصن بذكر الله، فالشيطان مسلط على الإنسان كما يسلط الذباب على العيون القذرة، والأوبئة على من أهمل النظافة ولا يقع في الفريسة إلا من ليس له قدرة على المقاومة وينجو الأصحاء المحصنون بذكر الله، فالشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم، فتعوذ منه بقراءة المعوذات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، ويقول تعالى:(قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) لقد اشتملت سورة الناس على الاستعاذة بالله تعالى والالتجاء إلى رب الناس الملك الإله الحق من شر إبليس وجنوده الذين يغوون الناس بوسوستهم، فأعوذ أي ألتجئ وأحتمي برب الناس مربيهم ومعتني بشؤونهم، الوسواس أي الموسوس الذي يلقي في النفوس خواطر الشر والسوء والخناس، أي من عادته أن يخنس ويتراجع ويهرب ويتأخر بذكر الله ودعائه، ولقد أبان الله عز وجل موضع وسوسة الشيطان فقال: الذي يوسوس في صدور الناس، أي الذي يلقي خواطر السوء والشر في القلوب وإنما ذكر الصدور لأنها تحتوي على القلوب والخواطر محلها القلب، قال عقبة بن عامر إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذ؟ قلت بلى، قال: المعوذتين.