02 نوفمبر 2025

تسجيل

مع الباشا قريبا من مقهاه!

30 أبريل 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في "إسطنبول" تحت مطر يبدو أنه لن ينتهي، أما الزيارة نفسها فتنتهي بعد ساعات، وأما الزحام فأوقفني - داخل سيارة الأجرة - نحو نصف الساعة إلى جوار "مسجد السليمانية" ومقهى "ميمار سنان"، أو "سنان المعماري" الذي اكتسب اسمه من اسم باني المسجد "سنان باشا". "سنان" اسم عربي، من معانيه فحل الإبل، و"باشا" لقب تركي كان يطلق على من بلغ رتبة اللواء في الجيش العثماني، وفي القرن السادس عشر حمل اثنان من أعلام الدولة العثمانية الاسم واللقب نفسه "سنان باشا"، أولهما رائد العمارة العثمانية، والآخر قائد لامع وسياسي عرف بدهائه، ونجح في أن يصبح الرجل الثاني في الدولة، ولا تهمنا سيرته هنا، لكن الطريف أننا - نحن العرب - عرفنا المعماري جنديا، وعرفنا القائد عبر تراثه المعماري!و"ميمار سنان" هو "القطفة الأولى" من ثمرات نظام الانكشارية العسكري، التي قدمها للحياة المدنية. قال عنه العالم الألماني وأستاذ تاريخ العمارة في جامعة فيينا "هـ.كلوك": "إنه يتفوق فنيا على مايكل أنجلو صاحب أكبر اسم فني في الحضارة الأوروبية". وكان "سنان" (1489م-1580م) معاصرا لمايكل أنجلو (1475-1564م)، وعاش كلاهما عمرا طويلا امتد إلى 90 سنة تقريبا، ما أتاح لهما تحقيق منجزات فريدة. ولد "ميمار سنان" في قرية "آجيرناص" بولاية "قيصرية" في الأناضول لأسرة مسيحية أرمنية، وقيل يونانية الأصل، ثم اعتنق الإسلام وعمره 23 سنة، وانضم إلى قوات الانكشارية، في عهد السلطان "سليم الأول" تاسع السلاطين العثمانيين. ومع انضمامه إلى "الانكشارية" التحق بمدرسة عسكرية تعلم فيها القراءة والكتابة والفنون التطبيقية وتخصص في النجارة. وبعد إتمام تعليمه، انضم جنديا إلى حملة "بلجراد" في 1521م، كما شارك في الحملات العسكرية على بلاد فارس والعراق والشام ومصر. وهكذا زار المعماري الأعظم في القرن السادس عشر بلاد العرب، والمفارقة أنه جاءها جنديا يشن الغارات، وإن كان قد خلف فيها أثرا شهيرا، هو "مجمع الخسروية" الذي بناه في حلب لوالي دمشق "خسرو باشا" في العام 1537م، ومع الجيش أيضا ذهب "ميمار سنان" إلى البلقان والمجر والنمسا. وأثناء مشاركته في الحملة على "فارس" 1534م تمكن، في وقت قياسي، من بناء سفن لنقل الجنود، وعندما عادت الحملة إلى إسطنبول، كان كبير المعماريين العثمانيين "عجم علي" قد توفي، فاقترح قائد الحملة الصدر الأعظم "لطفي باشا" تعيين "سنان" خلفا له، وهكذا حصل على لقب "ميمار" ورتبة "باشا"، وظل كبيرا لمهندسي الدولة العثمانية في عهود السلاطين: سليمان القانوني (صاحب مسجد السليمانية) وسليم الثاني ومراد الثالث.وأثناء حملة مولدافيا، 1538م، نجح "ميمار سنان باشا" خلال 13 يوما في إقامة جسر على نهر "بروت" ما أنقذ الجيش العثماني وأمن له النصر، كما نجح أيضا في بناء جسر آخر فوق نهر الدانوب. ولقب الأتراك "ميمار سنان" بـ"الأسطى"، أي المعلم الأكبر، تقديرا لإبداعه المعماري الذي منح دولتهم مظهرها المميز، عبر ما أنجزه بنفسه، وما قدمه تلاميذه سيرا على خطاه، وقد تجاوز ما أنجزه 400 مبنى، تمثل ثلاث مراحل أساسية مر بها إبداع هذا العبقري، الذي عبر عن مراحل تطوره قائلا: إن الأولى تمثله صبياً يتعلم، والثانية يظهر فيها معمارياً متمكناً، أما الثالثة فتمثله أستاذاً. والطريف أن تلاميذ "ميمار سنان" تأثروا أكثر بنماذج المرحلة الأولى، ليظل إبداع المرحلتين الثانية والثالثة خاصا بصاحبه، عصيا على التقليد.