12 سبتمبر 2025

تسجيل

سوق تويتر السوداء

30 أبريل 2012

لكلِ مجالٍ من مجالاتِ الحياة البشرية ثقافة سائدة، يتعارف عليها من يرتاد ذلك المجال، ثقافة تحتمل الصواب أو الخطأ، قد يعمد بعضهم إلى تصحيح خطئها، وقد يقبل البعض الآخر الخطأ ويتجاوز عنه بالتركيز على الصحيح أو النافع منه. و لكن، قد يتفاقم الخطأ إلى أن يتحول إلى صدمة عنيفة، وسلوك غير مقبول، أو قد يراه الأسوياء ذلك، تماماً كما يحدث خلف ستار حسابات مواقع التواصل، كتويتر مثلاً.. واردٌ جداً أن نسمع عن السوق السوداء لتذاكر المباريات، أو خطوط الهاتف.. إلخ، والسوق السوداء بمعناها المبسط جداً هو البيع غير الرسمي أو غير القانوني، ولكن ماذا لو سمعنا عن السوق السوداء لعالم تويتر..! و هو أن يعمد صاحب الحساب — وعادةً ما يكون مشهوراً — بشراء أكبر عدد من المتابعين بقيمة معينة، إذ تكون تلك الحسابات التي تم شراؤها وهمية، وقد تم إنشاؤها من قبل شركات أو أشخاص بقصد بيعها، لذلك الذي يود أن يكون مشهوراً أمام مسرحٍ شبه خالٍ من الآذان الصاغية. لعلّنا نُرجع سبب ذلك التصرف غير المقبولٍ ألبتة، إنها ثقافة تويتر، في التباهي بعدد المتابعين حتى يكون همّ صاحب الحساب الأكبر رقم المُتابعين، وليس ماذا يتابع المُتابعون، حتى إنني لا أذكر أمام كل ذلك إلا الآية الكريمة (ألهاكم التكاثر).. أنا هنا أتساءل، ألا يشتت ذلك الهوس على رسالته في تويتر وأمام الخلق..! ألا يُلهيه التفكير في تزايد الأعداد عن مادته التي يطرحها، والتي هي في الأساس سبب وجوده في ذلك العالم الافتراضي..! ألا يخجل من شهرته الوهمية!؟ ألم يُدرك أن الشهرة وجه من وجوه الدنيا، إذا أعرضت عنها لهثت خلفك، وإن لهثت خلفها أعرضت عنك..! أذكر أنني قرأت للشيخ ابن عثيمين — رحمه الله — ذات مرة: (إذا تحدد الهدف، تسهلت كل الأمور) ولكن ماذا لو تشتت الهدف، ما بين هوس في أعداد المتابعين، وشرائهم، وطرح ما يجب أن يليق أمامهم، والاحتفال بالوصول إلى الأرقام العالية، ومن ثم أداء الرسالة..! فكيف تتسهل الأمور حينها، بل هي تتعقد إلى أن تسقط من أعين الخلائق. إن الجمال يفرض ذاته، ولو انشغل كل ذي حرفةٍ في حرفته وأعرض عن التباهي والهوس بما هو زيف وواهم، لكانت الرسالة أصدق في أدائها، والرؤية أوضح في تحقيقها، وإنها لتصل إلى قلوب الجمهور الحقيقي، ذلك الذي شدّته ذائقته وليس المال، ذلك الجمهور الذي سيحفظ للكاتب، وستتناقله الأزمان في موروث محفوظ. إذن فلنحدد أهدافنا بصدقٍ يدوم، وعلى أساسٍ متين، إذ إن ما بُني على باطلٍ فهو باطل، فالنجاح بخدعة لها لذةٍ مؤقتةٍ لا تدوم، ولا تستمر، ولا يمكن للزمن حفظها في صدره، ليس ذلك النجاح المبتغى، إذ إن الزمن لا يقبل أن يخلّد إلا ما كان صادقاً.