11 سبتمبر 2025
تسجيللن تنطفئ جذوة ثورة الشعب السوري الصابر والمثابر والصامد رغم فائض القوة الذي يستخدمه بشار وجنوده على مدى أكثر من عام وأفضى إلى قتل وإصابة وتشريد الآلاف بالجملة فما تمتلكه الثورة من وقود مطرز بالإرادة القوية للتخلص من حقب الاستبداد والدموية والقهر أكبر من دباباته وآلياته المسلحة وعنفوان عسسه المدججين بالخزي والعار لأنهم يقتلون شعبهم استجابة لأوامر من قست قلوبهم فسكنتها العتمة ولم تعد تميز بين الحق والباطل بين النور والظلام والولوج إلى منطقة القتل ليحافظ على عرشه الزاخر بالثقوب والآلام والكراهية للإنسان وللحرية. بغيضة هي السلطة عندما تدفع من يمتطي صهوتها إلى الركض على رمال الدم وجماجم الشعب وصرخات الأمهات الثكالى والزوجات الأرامل والأطفال اليتامى. كريهة هي الكراسي التي تجبر الجالسين عليها إلى قذف الشعب بالصواريخ ومحاصرته بالمدرعات وقتله في ساعات الصباح والمساء ما الذي يريده بشار وزبانيته؟ لقد امتصوا رحيق الشام، جثموا على صدر الوطن، خانوا الأمة بتمزيق أوصالها وعندما انطلق الشعب منتفضا في مارس قبل المنصرم صارخا بالحرية والعدالة والكرامة أطلقوا نيرانهم على الأبرياء الذين صبروا لعقود أربعة مترقبين انبثاق الفجر فهبطت عليهم أمطار السوء من كلاب السلطة وحرس السلطان. لماذا يعشق بشار السلطة إلى هذا الحد؟ وإذا كان يريد البقاء فيها معززا مكرما محبوبا فلم لم يطلق برامج إصلاح حقيقية تتجاوب مع أشواق الناس فتجهض آلامهم من كبت طال وجوع توحش وقمع هيمن وحرية موءودة وحرمان فرض سطوته؟ جاءته الفرصة تلو الفرصة لكن العسس حاصروه أصحاب النفوذ القابضين على معادلة السلطة والثروة أمسكوا به فسقط صريعا لهواهم كان بوسعه عندما أطل لأول مرة رئيسا بعد أن ورث عرش الجمهورية التي أسسها الآباء وأرادوا منها أن تكون بالانتخاب فكرس التوريث في سابقة غير معهودة وشكلت أنموذجا لحكم مبارك في مصر وصالح في اليمن وإلى حد لزين العابدين في تونس. أقول كان بوسعه أن يقدم البهجة للناس الذين استبشروا به خيرا ليقودهم إلى زمان جديد بعد أن دغدغ مشاعرهم بعبارات محاربة الفساد وتوسيع دائرة الحريات وتحقيق قدر أكبر من الرخاء لكنه سرعان ما دخل نفق السلطة المعتم وغير في الشكل ولم يقارب المحتوى جاء بأشخاص من نفس سلالة الدم والنسب في المواقع المهمة خاصة في الجيش والمخابرات والأمن وتشكل ما يشبه التنظيم العصابي الحاكم وإن أخذ شكلا عصريا ومنحيا تكنولوجيا ينسجم مع ما تلقاه من تعليم في الغرب ثم انغمس في دوائر الاستبداد وممارسة القهر ضد الشعب الذين كان يخدر من منظور المقاومة والممانعة وهو ما صدقناه جميعا وللأسف كنت واحدا ممن صدقوا بشار وأطروحاته والتي ثبت أنها لم تكن سوى واجهة أو غطاء لامتلاك المزيد من القوة والقدرة على الاستبداد والإثراء له ولجنوده وزبانية نظامه وعسس قصره وسلطانه. ولحظة أن بدأت الانتفاضة أشعرنا بأنه سيتجاوب معها بجملة من الإصلاحات التي لم تكن إلا ذرا للرماد في العيون ومضى هو وجنوده في منهجية القتل المنظم عبر استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الأعزل والنساء والأطفال فلطخ صورة الجيش العربي بالعار والذي كان رصيدا في المواجهة مع الكيان فبات ذراعا لحماية الاستبداد. وتحركت الأمة عبر جامعتها العربية لتقدم حلولا رأت أنها مناسبة تتكئ على الخيار السياسي وليس العسكري وقدمت الخطة تلو الخطة فلم يلتفت إليها وإن قدم تعهدات بالتجاوب معها غير أنه لم يف بأي التزام بل واصل القتل والإصابة والاعتداءات على المدن والأحياء الثائرة دون رحمة في قسوة قاربت قسوة الكيان الصهيوني عندما يقتحم أو يهاجم بلدة فلسطينية. وأجهض بشار ما أرسلته الجامعة من مراقبين فدفعها إلى سحبهم وتحركت مرة أخرى مع مجلس الأمن متجنبة فيتو روسيا والصين وصيغت خطة جديدة تقوم على مبادراتها السياسية وكلف كوفي عنان بتولي مهمة تطبيقها قبل أكثر من أسبوعين ولكنه تعامل معها بنفس المنطق من خلال الالتزام بالتطبيق وفي الأرض يكون شأنا آخر وحسب آخر الإحصاءات فإن ما يقرب من 500 مدني قتلوا منذ بدء تطبيق خطة عنان وهو ما يعني أن بشار ليس بارا بوعوده وليس قادرا على الوفاء بالتزاماته، ما يستطيعه هو حماية عرشه واستلاب حرية شعبه، أي عرش يمكن أن يبقى والشعب كاره لمن يجلس عليه. ثمة إجماع عرب على إبقاء الأزمة في منطقة الحل السياسي وهو ما تجلى كل اجتماعات الجامعة العربية سواء على مستوى اللجنة الوزارية المعنية بالأزمة التي يرأسها الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء وزير الخارجية أو على مستوى مجلس الجامعة وكان آخرها في اجتماع وزراء الخارجية العرب بالقاهرة يوم الخميس الفائت ولكن يبدو لي أن بشار وجنوده مصرون على دفع الأمور دفعا إلى منطقة الحل العسكري الذي نخشاه جميعا لأنه سيقود إلى تدمير مقدرات الشعب السوري غير أن ثمة من يرى من دوائر المعارضة أن الخيار العسكري هو الوحيد القادر على ردع بشار ونظامه المتوحش وللحرية كلفتها الباهظة حسبما يقولون والشعب بدأ في دفع الثمن عبر تقديمه عشرة آلاف من شهدائه غير عشرات الألوف من الجرحى والمشردين على الحدود مع دول الجوار. لم يعد أمام بشار خيار آخر فإما أن يقبل بالمضي قدما في التجاوب مع خطة كوفي عنان والتي تهيئ له خروجا آمنا ولسوريا زمنا مغايرا من الحرية والديمقراطية والكرامة من خلال تكرار النموذج اليمني أو أن يلقى مصيره. وفي هذا السياق ألفت إلى أن تطبيق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تعني في النهاية اللجوء إلى الحل العسكري وفرض قرارات مجلس الأمن بالقوة المسلحة تلوح في الأفق ولعلي أشير هنا إلى تصريح أدلى به الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية أمام مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول الشهر الفائت تحدث فيه عن إمكانية اللجوء إلى هذا البند المخيف كما تحدثت عنه أطراف إقليمية ودولية مؤثرة والأخطر أنه في حالة استخدام الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن لو عرضت عليه المسألة السورية وانتهاكات النظام والتي بدأ كوفي عنان ونبيل العربي يظهران تبرما واضحا منها من فرط تجاهله للخطة العربية الأممية فقد تندفع مجموعة الدول الكبرى من دون موسكو وبكين إلى تشكيل تحالف دولي من خارج مجلس الأمن في إعادة إنتاج للحالة العراقية وحالة كوسوفو وهنا لن تدفع سوريا بمفردها الثمن وإنما المنطقة التي قد تشهد اشتعالا استثنائيا قد يتجاوز بأضعاف مضاعفة اشتعال العراق بعد غزوه في 2003 وهو ما لا يريده أحد لكن يبدو أن بشار وزبانيته يريدونه أو بالأحرى يدفعون الأمور دفعا باتجاهه مؤمنين بمقولة شمشون الجبار "علي وعلى أعدائي " فهم لا يهمهم وطن أو شعب. السطر الأخير: لك العشق ولي البهجة الكامنة أسرد شعري في ليلك ينبثق النيل قصيدة لا تنتهي أحرر وجعي من غيابك تستعيد الروح بهاءها المغادر اسكبي بوجهي عطرا رحيقا ممزوجا بالكتابة يترجل الحزن عن صهوة جوادي أسافر إلى عينيك متكئا على خضرة حقولهما فاستبيحي مناطق الحرام سجلي شهادة ميلادي