18 سبتمبر 2025
تسجيلرغم تشابه أحداث الثورة الشعبية التي تجري أحداثها في سوريا مع تلك التي جرت وقائعها في عدد من الدول العربية الأخرى، إلا أن تداعيات تلك الثورة تبدو مختلفة في أكثر من اتجاه، أبرزها ما يتعلق بقضية المقاومة التي كان يتبناها النظام السوري والتي مثلت السياق العام للصراع الذي شهدته المنطقة طوال السنوات الماضية بين محورين، أحدهما المحور الأمريكي الإسرائيلي بالتحالف مع دول ما يسمى بالاعتدال العربي، والآخر هو محور الممانعة الذي ضم سوريا إلى جانب إيران وبعض حركات المقاومة مثل حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين. وفي لقاء على إحدى الفضائيات العربية قال مسؤول سوري إن الأحداث التي تمر بها سوريا حاليا لن تؤدي إلى سقوط النظام كما حدث في مصر وتونس، مبررا ذلك بأن سوريا ليست مصر وليست تونس، لأن دمشق لم تقم بمحاصرة قطاع غزة ولم تقم بمشاركة إسرائيل في عدوانها العسكري على حزب الله في لبنان وعلى حماس في قطاع غزة. ورغم أن تلك الكلمات تذكرنا بتصريح وزير الخارجية المصري عقب سقوط النظام التونسي، حينما أكد أن مصر ليست تونس.. وهي نفس التصريحات التي بات يرددها مسؤولو النظم الحاكمة في الدول العربية ردا على أي تظاهرات أو احتجاجات تطالب بالحرية والديمقراطية. إلا أنها تشير من ناحية أخرى إلى حقيقة هي بمثابة الفضيحة التي كشفتها أحداث الثورة السورية والتي تتمثل في أن قضية المقاومة التي تبناها النظام السوري لم تكن أكثر من مجرد إستراتيجية لحماية النظام الحاكم الذي أدرك أن ثمن المقاومة أقل بكثير من ثمن الاستسلام الشامل للنفوذ الأمريكي في المنطقة، لكن تلك المقاومة لم تكن في جميع الأحوال بالمعنى الشامل، بل كانت ممانعة أي رفض جزئي لهذا النفوذ مع العمل على محاولة تعديل شروط الاستسلام للحفاظ على بنية النظام، ولعلنا في هذا المقام يمكن أن نتذكر الأخبار التي كانت ترد بشكل متقطع عن التعاون السوري مع الولايات المتحدة في عدد من قضايا المنطقة أبرزها القضية العراقية، وكذلك الأمر باستجداء السلام مع إسرائيل، وهي الأمور التي كان يعترض عليها حتى الأطراف المتحالفة مع النظام السوري. هذه الفضيحة لم تقتصر على النظام السوري فقط، بل وصلت بطبيعة الحال إلى حلفائه في حلف الممانعة خاصة إيران التي احتفلت كثيرا بالثورات التي اندلعت في عدد من الدول العربية خاصة مصر، إلى درجة قيام مرشد الثورة الإيرانية بإلقاء خطبة إحدى الجمع في طهران باللغة العربية والتي أعلن خلالها وقوف بلاده إلى جانب الشعب المصري الثائر ضد الظلم والطغيان، لكن بلاده لم ترى هذا الظلم والطغيان حينما وصلت محطة الثورة العربية إلى دمشق، بل رأت فيها مؤامرة خارجية تستهدف بنية النظام المقاوم، وكأن هذا النظام المقاوم محصن ضد الظلم والفساد والاستبداد وبالتالي ضد الثورة التي هي جزء من الحرب الغربية ضد حلف المقاومة. هذا الموقف الإيراني تكرر أيضا من جانب بعض القوى والشخصيات الإعلامية المؤيدة للنظام السوري، ففي الوقت الذي أعلن فيه حزب الله وحركة حماس ترحيبهما بل وسعادتهما بالثورة المصرية التي أسقطت نظام المخلوع حسني مبارك، إلى درجة قيام حزب الله بتنظيم مؤتمرات جماهيرية للاحتفال بانتصار ثورة شباب مصر، نرى أنهما يقفان ضد الثورة السورية، فإعلام حزب الله خاصة قناة المنار وصحيفة السفير تتبع نفس الخط الإعلامي الذي يدعي أن ما يجري في سوريا هو جزء من المؤامرة الخارجية الهادفة إلى القضاء على محور الممانعة عبر إسقاط نظام دمشق وبالتالي قطع الرئة التي يتنفس منها حزب الله سلاحا ومساعدات لوجيستية. كما أعلنت حركة حماس في بيان لها في الأيام الأولى لثورة أحرار سوريا وقوفها إلى جانب النظام الحاكم. وكان آخر تلك المواقف إعلان الإعلامي الشهير غسان بن جدو القريب من حزب الله، استقالته من قناة الجزيرة احتجاجا على السياسة التحريرية للقناة التي رأى أنها تحولت من خلالها إلى غرفة للحشد والتعبئة ضد نظام دمشق.. والغريب أن بن جدو لم يلاحظ تلك التغيرات على السياسة التحريرية للجزيرة إلا في حالة سوريا فقط، أما في حالة الثورات العربية الأخرى خاصة مصر فكان يرى أنها محايدة ولذلك لم يتوان عن المشاركة في هذه السياسة عبر برنامجه الأسبوعي " حوار مفتوح ". الشعوب العربية كانت وما زالت مؤيدة لكل مقاومة عربية بغض النظر عن أي عوامل أخرى ما دامت هذه المقاومة تصب في صالح الأمة العربية، ولذا فقد وقفت إلى جانب حزب الله في حرب العام 2006 وكذلك الأمر مع حركة حماس في حرب العام 2008، كما وقفت إلى جانب النظام السوري نفسه أمام الضغوط الأمريكية والغربية خلال الفترة التي أعقبت احتلال العراق والتي انتهت بخروج القوات السورية من لبنان، لكن هذا لم يكن يعني بحال من الأحوال أن هذه الشعوب أعطت صكا مفتوحا لتلك القوى يحميها في مواجهة الشعوب العربية نفسها خاصة إذا كان الأمر يتعلق بحريتها وكرامتها. لقد أيدت الشعوب العربية النظم والحركات التي كانت تدعي المقاومة لأنها كانت تشعر بأن هذه المقاومة ترد إليها جزءا من كرامتها المهدورة على يد الأعداء، الذين تقف في مواجهتهم الآن بعد أن أصبح في مقدورها أن تسترد كرامتها وحريتها بيدها، ولذا فلن تقبل أن تستبدل هذا بمقاومة سوف تستردها قريبا بعد أن استردت حريتها. لقد بدا واضحا أن الشعوب العربية أصبحت هي الآن خط المقاومة الأول في المنطقة وبالتالي فهي المرجعية لهذه المقاومة وليست أي جهة أخرى سواء أكانت نظما حاكمة أو حركات مسلحة، وهذا يعني أن محاولة النظام السوري وحلفاءه لمواجهة الثورة باسم المقاومة سيكون مصيرها الفشل وستؤدي إلى التعجيل بسقوط النظام. ومع ارتفاع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، لم يتبق أمام نظام دمشق الكثير من الوقت لترديد الاتهامات وعليه استغلاله في تنفيذ إصلاحات جذرية حقيقية تقضي على جذور الاستبداد والفساد، فحركة الشعوب حينما تبدأ لن يوقفها سوى تحقيق أهدافها كاملة، مهما كانت التضحيات.