15 سبتمبر 2025

تسجيل

واقع العالم بين التسامح والأنا العليا

30 مارس 2022

ما احوجنا في هذا الوقت لمعرفة أسباب الفوضى والعبثية التي تعيشها الكرة الأرضية من وقت لآخر من مسلسلات الحروب والقتل والدمار المستمر. هل السبب يعود إلى غياب القيم الأخلاقية والمثل العليا عند البعض كالتسامح والرحمة والتعاون البناء أم أن هناك أسبابا أخرى غيرها؟ يرى فيلسوف الانسانية والمهتم بقضايا المجتمع الأمريكي برتراند راسل أن ما يفتقر إليه العالم الحديث هو قيمة التسامح المبهج ذو الطبيعة الطيبة علماً بأن أكثر الأمور عداء لهذه السمة الإنسانية هي نوعية الأخلاقيات ذات العلاقة التي تدين أغلب أفراد المجتمعات الإنسانية على أنهم غير اسوياء. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا الوقت بالذات هو: لماذا تحدث كل هذه الأشكال من العنف والحروب والانتهاكات لحقوق الإنسان في العديد من الدول منذ أكثر من ٣٠ عاماً والتي ما زالت وتيرتها في ازدياد مستمر مع التصعيد بدلاً من إخمادها ونحن في وقت أشد ما نكون فيه بحاجة إلى الاستقرار الاجتماعي، خصوصا وأن هناك ظواهر سلبية تتعلق بالبيئة، والتي تزداد شراسة ربما تؤدي في النهاية إلى فناء الكون وهي من الأولويات التي تدعو للانتباه إليها بدلا من سباق التسلح واظهار العضلات والعمل على تسريع فناء الكون باستخدام ما أنتجته الآلة العسكرية من اسلحة فتاكة تقضي على البشر والحجر؟ يا ترى ما هي الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء هذه السلوكيات التي ينتهجها من يتحكمون بالسلطة؟ من منطلق تخصصي في علم الاجتماع السياسي أرى ان البواعث الاساسية التي تتحكم بإرادة معظم الناس هي: حب التملك والتفاخر والتنافس وحب السلطة، ويبدو أن الشرية قد وصلت إلى أعلى مراتب ودرجات التطور والمعرفة العلمية التي لم تكن معروفة من قبل، وبالرغم من ذلك فإن كثيرا من البشر ما زالوا يحملون في جنباتهم جينات همجية تتمثل في شهوة القتل والتدمير. ولهذا يجب ايجاد حل جذري لمعالجة الغرائز الشاذة التي ورثت من الأجيال القديمة والمتمثلة في الوحشية وحب التملك وشهوة السلطة. وعندما تثور هذه السلوكيات الفردية عند بعض الاشخاص مع العلم أنه من المفروض أن يكون هناك قيود تمنع نهم البشر وشهوتهم للعنف والحروب. على سبيل المثال لا الحصر: الأخلاق والوازع الديني وهما يشكلان صمام أمان ضد التصرفات والسلوكيات الطائشة القوية التي يرتكبها البعض مغترين بسلطاتهم المطلقة وبعنجهيتهم المفرطة وروحهم العدائية للإنسانية على وجه العموم. وما دامت الحياة مستمرة على هذا النحو، فكيف يمكن للناس أن يعيشوا معاً في سلام؟ ان الحياة الطيبة هي التي منهجها الحب والمودة متوجة بنور المعرفة. إن ما يحتاجه العالم هو نشر وإشاعة صفة الحب والتراحم بين البشر من أجل حفط الصفات الإنسانية. وما هذه المظاهر الاجتماعية الحزينة الناجمة عن التطرف والعنف التي ينتهجها بعض من تسيطر عليهم أهواؤهم ورغباتهم الشخصية والأنا العليا أو العظمى التي تعود في حيثياتها إلى عوامل الرفض وعدم تقبلها للقيود التي تفرضها القيود الأخلاقية والإنسانية مما يجعلهم ينتهجون السلوكيات العدوانية التي تعمل على اتخاذ المزيد من الأعمال العدوانية كإشعال فتيل النار والحروب ونشر الفتن والقلاقل في المجتمعات في نوع من العبث والسلوك المدمر. لقد اظهرت ادبيات علم الاجتماع أن الجواب على هذا السؤال قد اتضح من خلال نتائج دراسات اجتماعية طويلة تم إجراؤهـا على كيفية سلوك الإنسان، وقد توصل إلى نتيجة عزاها إلى الأهواء والسلوكيات الشريرة الكامنة في العقول البشرية، كالشك، الخوف، الحقد والتعصب، وشهوة السلطة، وهي الأسباب نفسها التي تقف في طريق إيجاد عالم أكثر خيرا. ان الدول التي تدعي أنها متمدنة تنفق كثيرا من دخلها على إثارة القلاقل والفتن والانقلابات في العديد من الدول التي لا تنسجم مع سياساتها الضالة المضلة يشهد على ذلك الماضي والحاضر من التاريخ. كما ان تلك الدول المتغطرسة ترتكب كل اشكال الاضطهادات ضد الشعوب الأخرى المناوئة لها وتستخدم كل ما لديها من أسلحة فتاكة تؤدي إلى القتل الجماعي البشري وتعذيب الناس وإهدار كرامتهم وانسانيتهم، فهل هذه السلوكيات والتصرفات اللاأخلاقية التي تنتهجها تدل على تصرفات مخلوقات عاقلة؟. اننا نعيش وفق منظومة عالمية تسيطر عليها المصالح والانانية والجشع والاطماع المادية، والذين يسلكون هذه المسالك الهمجية هم من وجهة نظر الإنسانية في أسفل المقامات الدنيا الضارة بالمجتمع. ان الطريق لعالم يكون البشر فيه أحراراً سعـداء يبدو أنه بعيد المنال، إلا أننـا نرجو من خلال ايماننا المطلق برحمة الله ورغبة المجتمعات في مستقبل واعد للبشر فيه الخير والسعادة للجميع بعيدا عن أطماع الطامعين وشهوة المتسلطين. إن الإيمان الثابت بمستقبل الازدهار والنهضة وانتشار قيم العدل والمحبة والمساواة للبشر جميعا يجعلنا ننظر بصورة المتفائل الثابت على هذه الاخلاقيات الإيجابية لجميع المجتمعات.