11 سبتمبر 2025

تسجيل

لن أعيش عمري لإرضاء أحد

30 مارس 2021

في الثامن والعشرين من فبراير الماضي، أهداني صديق عزيز كتاب (المرحلة الملكية) للكاتب المبدع (خالد بن صالح المنيف)، أول ما لفت انتباهي الإهداء الذي صَدَّر به الكاتب كتابه، قال: (إلى أحب الناس لنفسي، وأقربهم لروحي، إلى خالد بن صالح المنيف)، يهدي كتابه لنفسه؛ لأنها الأقرب والأحب له، وحقيقة لم أقرأ مثل هذا الإهداء قبل ذلك، شعرت بأنها رسالة موجهة لي جاءت في وقتها؛ فدفعني ذلك أن أفتح صفحته الأولى التي أخذتني إلى أختها التي تليها، حتى سلمتني إلى الصفحة الأخيرة، ولم أشعر بالوقت حينها، وهذا أول كتاب أقرأه في جلسة واحدة، وعندما أغلقت الكتاب وجدت لساني يردد: (لن أعيش عمري لإرضاء أحد). وها أنا أوجه لك نفس الرسالة عزيزي القارئ: (لا تعش عمرك لإرضاء أحد)، لماذا؟ لأنك ببساطة لن تستطيع إرضاء أحد؛ فرضا الناس غاية لا تدرك، كلنا نذكر قصة جحا وولده عجيب، كان يمشي بجوار حماره الذي يحمل ولده، عاب الناس عقوق الولد، فلما أخذ جحا مكانه ومشى ولده بجوار الحمار، عاب الناس عليه قسوته على ولده، فلما حملهما الحمار معا اتهمهما الناس بعدم الرفق بالحيوان، فنزلا وحاولا حمل الحمار لكي يسيرا به فاتهمهما الناس بالجنون. رضا الناس غاية لا تدرك؛ لأن علمهم قاصر، وعقولهم محدودة، يتفاوتون في الفهم والإدراك، تتلاعب بهم الأهواء، وتتقاذفهم الظنون. اهتم بنفسك أولا؛ لأنك بدون ذلك لن تستطيع أن تهتم بأحد، ألا ترى في الطائرة إذا لا قدر الله نقص الأوكسجين، وتدلت الكمامة، ترشدك اللافتات أن ترتديها أولا، ثم تقدم المساعدة للآخرين. ألا تلاحظ معي عزيزي أن محاولاتنا لإرضاء الناس أصبحت مرضاً خطيراً أصاب الكبير والصغير، فأصبح الواحد منا لا يهمه في أي عمل يعمله إلا الناس، أيرضون عن هذا العمل أم لا؟ ماذا؟ هل سيعجبهم؟ ماذا سيقولون عنه فيما بينهم؟. وانظر إلى ما أصاب الأفراح والأحزان وكل المناسبات من مظاهر كاذبة، لا فائدة منها إلا إثقال كواهل أصحابها، واستنزاف أموالهم، وما ذلك إلا لإرضاء الناس الذي لن يستطيعوا إليه سبيلا، حتى لقد قرأت أخيرا أن من أهم الأسباب في تأخر سن الزواج عند شبابنا هو تلك المحاولة البائسة لإرضاء الناس، وما أجمل وأصدق ما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ضحكتُ فقالوا ألا تحتشم بكيتُ فقالوا ألا تبتسم بسمتُ فقالوا يُرائي بها عبستُ فقالوا بدا ما كتم صمتّ فقالوا كليلَ اللسان نطقتُ فقالوا كثيرَ الكلم حلمتُ فقالوا صنيعَ الجبان ولو كان مُقتدراً لانتقم بسلتُ فقالوا لطيشٍ به وما كان مُجترئاً لو حكم يقولون شذَّ إذا قلت لا وإمّعةً حين وافقتهم فأيقنتُ أني مهما أُرد رضا الناس لابد من أن أُذم فمهما حاولت إرضاءهم فلن تفلح، بل ستكون مذموماً عندهم، فدعك منهم يا صديقي حتى لا تخسر راحتك وسعادتك، وتلقي بنفسك في دوامة لا نجاة منها، ولعل هذا ما حدا بسارتر أن يقول: (الجحيم هو الآخرون)؛ فالإنسان يعيش في جحيم حقاً إذا كان هدفه إرضاء الآخرين؛ لأنه سيشعر بالإخفاق الدائم في الوصول إلى هذه الغاية. فما الحل إذا يا صديقي؟ الحل: أن تجعل غايتك الأولى والأخيرة، أن ترضي الله تعالى في حياتك كلها، أقوالك وأفعالك، حركاتك وسكناتك، علاقتك بنفسك وأهلك والناس جميعا، في البيت، في العمل، في الشارع، غايتك هي رضا الله تعالى لا رضا الناس، ساعتها فعلا تحقق الوصية وتعيش حياتك لإرضاء الله تعالى ثم نفسك، وليس لإرضاء أحد، وإذا كسبت رضا الله عنك، حزت السعادة في الدنيا والآخرة. واقعياً قيمتك: ‏أكبر من تقييم الناس لك. ‏أكبر من الإنجازات. ‏أكبر من الأهداف. ‏أكبر من قبول الناس لك. ‏أكبر من رضا شخص ما عنك. ‏أكبر من حب شخص ما لك. ‏قيمتك مرتبطة فقط بذاتك التي كرمها ربك. ختاما يا رفيق الكلمات، ضع أمام عينيك دوما أن: (رضا الله غاية لا تترك، ورضا الناس غاية لا تدرك؛ فأدرك ما لا يترك، واترك ما لا يدرك).. وإلى لقاء.