11 سبتمبر 2025
تسجيلكان موضوع الغلاف لأحد أعداد مجلة تايم الأمريكية التي صدرت خلال الأشهر القليلة الماضية، هو "أسرار أدمغة المراهقين"، واستوقفني في التقارير الممتعة التي جاءت في سياق ذلك الموضوع مجموعة من الملاحظات والنصائح التي وجهها عدد من علماء النفس والتربية الى الآباء حول كيفية التعامل مع عيالهم المراهقين، وبعض تلك الملاحظات من البديهيات، ومنها ان بعض الآباء والأمهات يعتبرون ان بلوغ البنت او الولد سن الخامسة عشرة مثلا يرفع عن كواهلهم مسؤوليات الرعاية والتوجيه، بل إن من يبقى من البنات والأولاد في معية الوالدين في المسكن يعتبر عند الغربيين قاصرا ويتعرض للتهكم من أقرانه، بينما مجتمعاتنا على ما غزاها من علل في السنوات الأخيرة تمجِّد بقاء الأولاد والبنات في بيت العائلة الكبير حتى يفتح الله عليهم بالزواج. ولكنك قد تكون في بيت شخص ما وتسأله عند منتصف الليل عن ولده البالغ من العمر اثنتي عشرة سنة فيقول: والله ما أدري.. أظن انه بره البيت مع أصدقائه.. خلاص الولد كبر وصار رجلا!! ومن قال لك يا هذا ان من حق الرجل ان يصيع خارج البيت الى ما بعد منتصف الليل بلا غاية محددة ومبرر مقبول حتى لو كان عمره 51 سنة؟ وبعكس هؤلاء، هناك فئة أخرى تعتقد أنه من غير اللائق إبداء عواطف المحبة والحنان تجاه من بلغ مرحلة المراهقة او الشباب الباكر، مع ان الإنسان حتى لو بلغ السبعين يرتاح للمسة الحانية، والكلمة الحلوة، شخصيا فإن من أمتع الأشياء عندي ان يمرر أحد عيالي أصابعه على شعري الحريري الأفريقي ويفرك فروة رأسي برفق، وإذا واصل أحدهم فعل ذلك فإنني أنام مثل طفل نال كفايته من الحليب، بعد أن ارتدي قطعة بامبرز افتراضية جديدة ونظيفة، وقد صار عيالي يبتزونني لفرك فروة رأسي ووضعوا لها تسعيرة تعسفية تبدأ بعشرة ريالات وقد تصل الى قرص بيتزا من الحجم الكبير، أطرافه محشوة بجبن مطاطي تقضم منه قطعة فيمتد بينك وبين البيتزا خيط طويل مقرف، ينقطع أحيانا ويتدلى على صدرك. ولكن الكثير من المراهقين يتضايقون من قيام أهلهم بتدليعهم أمام زملائهم، ولن أنسى أبدا آخر مرة استقبلت فيها أمي مطار الدوحة فاحتضنتني امام المئات وأمطرت وجهي بالقبلات، ويبدو أنها لم تسمع بأن جعفر عباس، لا يبوس ولا ينباس، ولعل بعض قرائي يتذكرون انني شكوت مرارا من نفوري من التحية الخليجية بالبوس، لأن قومي أنشؤوني على ان الرجل يبادل الرجال التحية بالخبط على الأكتاف، وأعلن اليوم انني غيّرت رأيي، وسأشرع في بوس أصدقائي بقلب جامد وذلك انني خضعت للتطعيم ضد فيروس الكورونا وشكرا لجيش قطر الأبيض في جميع المرافق الصحية والطبية. هناك خيط رفيع بين معاملة شاب او شابة بحنان، وتلقيه او تلقيها بالأحضان والتدليل لدرجة الإفساد بجعل كل طلبات المراهق مستجابة، فحتى علماء التربية الامريكان يطالبون بأن تكون هناك حدود لحرية المراهق ويقولون ان عليه ان يفهم ان هناك خطوطا حمراء لا يجوز له تخطيها، وطبعا مثل هذه المسائل شديدة الحساسية فأحيانا لا يعترف بعض الآباء والأمهات بأن العيال كبرت وصارت تفهم ولديها منطق وحجج، ومن ثم لا ينبغي ان نفسر معارضتهم لبعض أفكارنا وسعيهم لإثبات ذواتهم ووجودهم بأنه بالضرورة سوء أدب وتمرد. بالعكس من المستحسن ان نشجع عيالنا على ممارسة قدر معقول من الاستقلالية، وأن نحترم خصوصيتهم طالما ان كل ذلك في إطار السلوك المقبول، بل وعندما نختلف معهم في أمر ما ينبغي ان نحاورهم بدلا من استخدام الجملة الإرهابية: بس.. كفى قلة أدب وفصاحة! كلامي يمشي وبس! كما ان قيام ولدك بقص شعره بحيث يبدو وكأنه يضع قطعة بيرغر نصف مستوية في منتصف رأسه ليس بالضرورة دليلا على أنه فاسد!! على كل حال المسألة شائكة وصعبة وتتطلب مهارة وحذقا في تمييز الخيط الرفيع بين هذه وتلك. [email protected]