17 سبتمبر 2025
تسجيلتمكنت الوكالة اليهودية من ترحيل 19 يهوديا بينهم الحاخام سليمان يعقوب دهاري من مطار صنعاء الدولي إلى مطار بن جوريون الدولي عبر مطار عمّان الدولي ومعهم أكبر وأقدم نسخة من قصة التوراة مكتوبة على جلد حيوان والتي تضمن محتواها بشارة برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وصفت صحيفة "هآرتس" العملية بـ"السرية والمعقدة" وأنها جرت بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإسرائيلية ووزارة الخارجية الأمريكية وجهات تتبع التحالف الحوثي والرئيس المخلوع، وقد أطلقت الوكالة اليهودية على العملية اسم "ميكتزي تايمان" وهي عبارة باللغة العبرية مأخوذة من نص توراتي يعني بالعربية "من أقاصي اليمن".لم يمنع الشعار الذي يردده الحوثيون كل يوم وهو "اللعنة على اليهود والموت لإسرائيل" من تعامل قادتهم مع منظمة صهيونية استعمارية مسؤولة عن الاحتلال والمذابح في فلسطين واستلام مبالغ كبيرة كرشوة مقابل تسهيل عملية الهروب من صنعاء، قد يكون ذلك أمر طبيعي ويتفق مع طريقة تفكير الميليشيات الحوثية التي تسعى للتخلص من المختلفين معها سياسيا أو عقائديا وقد فعلت ذلك عندما طردت مواطنين يهودا من قرية آل سالم في صعدة عام 2007 وصادرت ممتلكاتهم وبعد ذلك هجّرت السلفيين من دماج عام 2014 في أكبر عملية تهجير لجماعة مذهبية لم يشهدها اليمن منذ سنوات طويلة، لكن ما لم يجد له تفسيرا كثير من المتابعين هو كيف سمحت سلطات الانقلاب في صنعاء بتهريب مخطوطة من التوراة لا تقدر بثمن ويعود تاريخها إلى أكثر من ثمانية قرون؟ ربما يعود ذلك إلى الجهل المركب أو العداء للتاريخ والآثار التي يدمرها الحوثيون كل يوم حيث تشهد البلاد كل يوم عمليات تجريف ممنهج للهوية اليمنية وتنوعها الحضاري والثقافي والديني، أما رئيس الوكالة اليهودية ناتان شارانسكي، فقد اعتبر وصول هذه الوثيقة إلى تل أبيب حدثا مهما و "لحظة مهمة من تاريخ إسرائيل" الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التعبير عن فرحته الغامرة أمام وسائل الإعلام عندما قرأ له طفل يهودي يمني بعض أسطر من قصة التوراة عندها قال نتنياهو "أهلا وسهلا بكم في أرض إسرائيل. لقد كانت قراءتكم للتوراة مؤثرة جدا. فكرنا خلال سنوات طويلة كيف يمكن جلبكم إلى إسرائيل وها قد نجحنا". لم تتوقف المحاولات من أجل تهجير اليهود اليمنيين منذ إعلان الكيان الصهيوني عام 1948 فقد وافق الإمام الأحمد حميد الدين بين عامي 1949 و1950 على تهجير أكثر من 47 ألفا في عملية البساط السحري التي بلغت عدد رحلاتها الجوية 430 كلفت نحو 425 مليون دولار وقد أكمل الحوثيون ما بدأه أئمتهم لكنهم هذه المرة يطبقون سياسة جديدة وهي تهجير كل اليمنيين من بلادهم فمنذ اختطاف الدولة تحول الكثير من مواطنيها بسب الاضطهاد والتنكيل إلى مشردين ولاجئين وهنا بدا أتباع الطائفة اليهودية أكثر حظوة من غيرهم حيث إنهم سيعيشون بكرامة رغم أنهم سيقيمون على أرض مغتصبة غير أرضهم التاريخية التي تأسست عليها دولتهم في العصر الحميري مطلع القرن السادس الميلادي وحكمت ووحدت اليمن لأكثر من 70 سنة.قد يختلف اليمنيون في أسباب تهريب اليهود وتهجيرهم من موطنهم الأصلي الذي عاشوا فيه بتسامح وكانو جزءا من تاريخه وحضارته ولغته إلا أنهم يتفقون على أنه لا يمكن التفريط في الإرث التاريخي الذي تمثله المخطوطة التوراتية المهربة والتي رفض الرئيس الأسبق عبدالرحمن الإرياني في سبعينيات القرن الماضي طلبا أمريكيا بتسليم هذا الكنز التاريخي رغم الإغراءات والمصالح الاقتصادية التي كان سيجنيها إلى أن جاء الحوثيون وجعلوا مقولة الرئيس المخلوع "دمروا كل شيء جميل" واقعا مريرا يتجرع غصته الجميع. انكشفت ورقة التوت إذاً، يرفع الحوثيون شعار الموت لإسرائيل وأمريكا كما تفعل إيران وهم يتواصلون معهم مباشرة ويتعهدون بحفظ مصالحهم، ولذلك نرى كيف يحرك اللوبي الصهيوني مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن إذ كلما قربت ساعة الحسم وبدأت الدائرة تضيق على الحوثيين وحلفائهم استقيظ ولد الشيخ أحمد يبحث عن حلول سلمية تضمن للمدافعين عن التفسير الشيعي للمذهب الزيدي دورا في الحياة السياسية، ولذلك فإن تسليم "قصة التوراة" ربما يكون جزءا من صفقة بناء الثقة مع أمريكا وربيبتها إسرائيل.