11 سبتمبر 2025

تسجيل

العملية السياسية في العراق.. في طريق الانهيار

30 مارس 2016

وسط أزيز الصواريخ، وهدير المدافع، ومن عمق شظايا اللحم العراقي المتناثر في الأعمال الإرهابية السائدة في ساحات الموت والدمار العراقية، تدور رحى تصفيات جديدة للحسابات بين أطراف المكون الطائفي الواحد!، فالاعتصام المفتوح الذي دخل بواسطته زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لحصون المنطقة البغدادية الخضراء بعد أن نصب خيمته هناك ينذر بفتح أبواب لصراعات داخلية عراقية من الممكن أن تبدأ وتفتح ملفاتها بسهولة، ولكن من الصعوبة بمكان إغلاقها أو تجاوز مطباتها ومنحنياتها القاتلة، الصدر يحتج اليوم وبقوة على الفساد في أروقة السلطة العراقية بعد 13 عاما على الاحتلال التدميري الأمريكي، وعلى قيام ما يسمى بالعملية السياسية في العراق والتي كانت بكل بساطة مجرد تحاصص طائفي وعرقي وتقاسم لأسلاب الوطن العراقي المنكوب ليس أكثر ولا أقل، فالديمقراطية الموعودة التي جاءت مع عواصف الدبابات الأمريكية لم تكن ديمقراطية أصيلة وخلاقة، بقدر ما كانت واسطة وأسلوب لتصريف الأزمات ولخلق مطبات رهيبة في العمق الشعبي والتكويني العراقي، فالصدر وتياره لم يبرزا إلا خلال الاحتلال، ومن خلال جريمة شهيرة تمثلت باغتيال السيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه في الحرم العلوي في النجف، وهي الجريمة التي فتحت صنابير الدم والانتقام والتي مرت دون مساءلة ولا عقاب ولا تحقيق ولا تحمل للمسؤولية لأي طرف، بل بقيت جريمة مسجلة ضد مجهول هو في الحقيقة معروف للجميع، ولكن واقع الحال العراقي المرير جعلها تمر كجرائم لاحقة بشعة عديدة دون أن تفتح ملفاتها وتحدد أطرافها الجنائية. مقتدى الصدر الذي يطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد هو في الحقيقة جزء مركزي وفاعل من منظومة السلطة العراقية التي ورثت قيادة العراق بعد سقوط النظام السابق!، كما أن الوزراء والمسؤولين الصدريين لعبوا أدوارا مركزية في كل حلقات الفساد والإفساد التي دخلت في دواماتها الدولة العراقية، فوزارات خدمية مهمة تحمل قيادتها التيار الصدري وفشل فشلا ذريعا في إدارتها، كما أن المعارك الدون كيشوتية التي دخلها ذلك التيار قد ساهمت في تكسيح الواقع السياسي والميداني والجماهيري في العراق؟، خصوصا وأن أهم سمة تميز مواقف قيادة ذلك التيار هي التذبذب وانقلاب المواقف وعدم الثبات على رأي وموقف واحد، وثمة حقيقة ميدانية تقول إنه من تحت عباءة ذلك التيار خرجت جماعات طائفية متطرفة كجماعة العصائب المنشقة عن جيش المهدي الذي خاض معارك طائفية شرسة خلال مرحلة الحرب الطائفية أعوام 2005/2006.الإصلاحات التي يطالب بها العراقيون والتي تبناها التيار الصدري تتمثل أساسا في كبح جماح الفساد المستشري في عروق وشرايين الدولة العراقية والذي أدى بها لحالة إفلاس معلن، وهو ما يعني ضرورة تكوين حكومة تكنوقراط وخبراء تتجاوز حالة المحاصصة وتقاسم السلطة وبعيدا عن سطوة الأحزاب المهيمنة على البرلمان، وهو أمر صعب للغاية ويصطدم بقناعات ورؤى عديدة، لعل أهمها حرص (حزب الدعوة) على تعزيز حضوره السلطوي وهو الحزب الصغير والمعزول والمفتت والمفلس ميدانيا ولكن المحاصصة البغيضة أعطته حجما أكبر بكثير من ذلك الذي يستحقه، حزب الدعوة عشية غزو واحتلال العراق كان يعيش مرحلة الاحتضار والتلاشي والاضمحلال بعد انقسامه وتشظيه ومحاربة الدولة الإيرانية له حتى تحول لحزب لاجئين في بقاع العالم، حيدر العبادي جاء أصلا للحكم باعتباره من قيادات حزب الدعوة وقيادته لحكومة تكنوقراط تعني (نكتة) حقيقية في ظل التكالب على السلطة وصراع مختلف الأطراف لتدوير المسؤولين من جديد، فكيف لحكومة خبراء أن تعمل بينما رئيسها متحزب لحزب طائفي يتلقى منه الأوامر؟، وثمة أطراف داخلية تسعى لصراع دموي يفجر الشارع العراقي المتوتر والجاهز للانفجار.. العملية السياسية في العراق هي اليوم على حافة البركان الثائر.. وتبقى كل الخيارات الكارثية ممكنة ومتاحة في الشارع العراقي الذي لم يعرف سوى الكوارث!..