30 أكتوبر 2025
تسجيلبعد الفشل الكارثي في اقتحام أسوار مدينة تكريت والمقاومة الشرسة التي أبدتها الجماعات المسلحة، وتطاير كل الوعود الحكومية بتطهير المدينة خلال ساعات وامتدت المهلة لأيام ثم لأسابيع!! تبين حجم المأزق الصعب الذي وجدت فيه حكومة حيدر العبادي نفسها!، فحملة تحرير تكريت كان الغرض منها وضع البدايات التمهيدية لإعادة السيطرة على مدينة الموصل ثاني أكبر المحافظات العراقية وانتزاعها من يد تنظيم الدولة، فهي التفاحة والجائزة الكبرى للتحرك الحكومي والذي يبدو واضحا بأنه أصيب بإخفاقات كبرى مع تعثر المعركة في تكريت ودخولها ضمن خانة حرب الاستنزاف، فالتحشيد الطائفي وتدخل قوات الحرس الثوري والعصابات الطائفية العراقية بزخم كبير وأعداد ضخمة لم يؤت أكله، ولم تستطع كل الفصائل المسلحة التابعة للأحزاب الشيعية العراقية المرتبطة بإيران أن تحقق تقدما كاسحا نحو هدفها الرئيس والذي يتضمن أيضا أجندات طائفية مستقبلية أهمها السيطرة على القرار العسكري العراقي وتحييد الجيش وتأسيس مؤسسة (الحرس الثوري العراقي) بشكل واقعي ومن خلال معارك الميدان ومن خلال إسقاط مدينة تكريت ذات الرمز المعنوي الكبير في العراق باعتبارها مركز للثقل السني العراقي ولاعتبارات موضوعية أخرى، المفاجأة الحقيقية كانت في فشل الجموع الإيرانية وقيادات الحرس الثوري التي خاضت صفحات الحرب مع العراق في الثمانينيات من تحقيق نصر خاطف وسريع وبما من شأنه أن يؤسس لشرعية الجموع الطائفية العاملة ضمن إطار ما يسمى بالحشد الشعبي واعتبارها النواة التأسيسية للحرس الثوري العراقي؟، لقد دفع المهاجمون ثمنا قاسيا لمغامرتهم في تكريت وحيث خسروا آلاف الضحايا الذين امتلأت بهم مقابر النجف وحتى (قم) في إيران، وخسر الحرس الثوري الإيراني خمسة من قادته الميدانيين!!، وأضطر الحشد والجيش العراقي لإيقاف المعركة وقفة تعبوية لإعادة تنظيم الصفوف بعد الخسائر الهائلة وغير المقبولة، مما دفع العصابات الطائفية العراقية لارتكاب جرائم ضد الإنسانية وممارسات بحق الأبرياء وثقتها المنظمات الدولية وأكدتها تصريحات القادة الطائفيين في العراق بما فيهم مقتدى الصدر نفسه قائد ما يسمى بسرايا السلام الذي رفض ممارسات (الميليشيات الوقحة)!! وهو يقصد ضمنا ميليشيات (عصائب أهل الحق) التي يقودها غريمه قيس الخزعلي وتحت الرعاية الإيرانية المباشرة، تلك الهزيمة الميدانية جعلت قادة الميليشيات وأبرزهم هادي العامري وهو عميد في الحرس الثوري الإيراني وقائد لفيلق بدر العراقي وكذلك الإرهابي الدولي جمال جعفر (أبو مهدي المهندس) للتحرك ورفض الآراء التي أعلنها قائد قوات صلاح الدين الجنرال عبدالوهاب الساعدي الذي امتعض من أسلوب الميليشيات في إدارة العمليات وأكد ضرورة التدخل الأمريكي المباشر في الدعم والإسناد وإلا فإن الكارثة الشاملة في الطريق!! وهو ما أثار هادي العامري الذي استنكر (ضعف) القيادات العسكرية العراقية مؤكداً على الدعم الإيراني ووجود السردار الحرسي قاسم سليماني الذي فقد معاونه في تكريت ولم يستطع أن يفعل شيئا، ثم جاء التحول الاستراتيجي مع الدخول الأمريكي المباشر على الخط الذي عمل على تحييد الجماعات الطائفية / الإيرانية وجعل المعركة عراقية صرفة من خلال الجيش العراقي وبعيدا عن تأثيرات قادة الحرس الثوري الإيراني مما دفع قيادة الحرس للانسحاب الفوري من العراق خوفا من استهدافها من قبل الطائرات الأميركية!!، ومن هذه النقطة برز التشتت في الجماعات الطائفية المرتبطة بإيران وحيث رفضت جماعات العصائب وكتائب حزب الله وبدر ولواء الخراساني ولواء أبي الفضل... وغيرها.. وقامت بسحب عناصرها من حول تكريت وتوجهت لأماكن أخرى في الأنبار وديالى مهددة في الوقت نفسه الحكومة العراقية وحيدر العبادي بأوخم العواقب إن لم يتم التخلي عن الدعم الأميركي والاكتفاء بالدعم الإيراني!! وهي مطالبات أكبر كثيرا من قدرة الحكومة العراقية على تنفيذها!!؟ مما فتح المجال لفتح باب كان مغلقا وهو باب الخلافات الشرسة وحتى الدموية بين الجماعات الشيعية المتناحرة، فحيدر العبادي يخشى فعلا من انقلاب ميليشياوي مدعوم إيرانيا يطيح بحكومته ويخلط الأوراق في عراق يقف على كف عفريت،؟ والحقائق المريرة التي لا يعلمها الرأي العام هي أن الصراع الشيعي/ الشيعي هو أشد شراسة من أي صراعات مفترضة مع الطوائف الأخرى، فالجسم الشيعي العراقي ليس موحدا وتتنازعه اتجاهات وميول شتى بعضها مرتبط بأجندات وولاءات خارجية والميليشيات الشيعية اليوم باتت تشكل الخطر الأكبر على هيكلية الحكومة الشيعية ذاتها لكونها قد انطلقت من القمقم بعد أن أصبحت لغة السلاح هي الفيصل في حل الخلافات؟ وبعد أن زين لهم التدخل الحرسي الإيراني طموحات سلطة وهيمنة لايردونها أن تكون حكرا على النخبة!! في العراق ستكون حالة الصراع بين المكون الطائفي الواحد هو سمة المرحلة القادمة... طريق دموي شاق سيجتازه العراق في قوادم الأيام القريبة....؟