12 سبتمبر 2025

تسجيل

القوة المشتركة

30 مارس 2015

عندما اقترح الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية وضمن الدراسة المهمة التي قدمها لاجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ بالقاهرة، منتصف يناير الماضي، تشكيل قوة عربية مشتركة، انتابني حماس شديد للفكرة بحسبانها توفر إمكانية تجسيد بداية فعل عربي نحو حشد جهود وطاقات الأمة، في منحى ذي حساسية خاصة، لأنه يتصل بالأمن القومي العربي الذي ظل على مدى العقود الأربعة الأخيرة مستباحا من الكيان الصهيوني بالدرجة الأولى، ثم من أطراف أخرى، سواء في الإقليم أو من خارجه، وانضمت جملة من المهددات الداخلية لهذا الأمن تجلت بصورة فائقة الوضوح في تنامي التنظيمات الإرهابية، إلى الحد أن أعلن أحدها - تنظيم داعش - قيام دولته فوق مساحات شاسعة من أراضي كل من العراق وسوريا،وامتد حماسي لهذه الفكرة، بالمناقشة مع مسؤولين عرب كبار ومع خبراء إستراتيجيين لتحقيق مقاربة واقعية لتأسيس هذه القوة، ولم يفتر هذا الحماس حتى بعد أن علمت أن أطرافا عربية، أبدت في الجلسة التي طرحت فيها الفكرة على وزراء الخارجية بعضا من التحفظ، وهو ما تقرر معه إجراء المزيد من الدراسات بشأنها، ثم التقط الخيط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي أجرى مشاورات واسعة مع عدد من نظرائه العرب حولها، ما وفر لها قدرا من الزخم وإن كانت دائرة التفاعل الإيجابي مع الفكرة لم تتسع على النحو المطلوب، بيد أن ما شهدته المنطقة من تطورات دراماتيكية في الآونة الأخيرة، وفي مقدمتها ما يجري في اليمن من اختراق حقيقي لسيادتها وشرعية الدولة فيها، وبروز التهديدات من كل صوب وحدب رفع من وتيرة الاقتناع بأهمية وضرورة المضي قدما باتجاه نسج خيوط هذه القوة وغزلها بكفاءة عالية، وهو ما تجلى في الاجتماع الوزاري التحضيري لقمة شرم الشيخ يوم الخميس الماضي، فقد تحقق توافق بشأنها مع بعض التحفظات المحدودة، والتي تمحورت على أمور فنية وتقنية، وليس على جوهر الفكرة وأهميتها. وعندما أحيل مشروع القرار الخاص بتشكيلها إلى القادة في الجلسة المغلقة التي عقدت مساء أمس الأول، تمت الموافقة مع التوجيه باتخاذ الإجراءات التنفيذية والتي ستتحدد بعد شهر من الآن في الاجتماع الذي سيعقده مجلس الدفاع العربي المكون من وزراء الخارجية ووزراء الدفاع العرب ورؤساء أركان الجيوش العربية، وهو ما يعد تحولا نوعيا في مسار العمل العربي المشترك، وبداية الانطلاق نحو الفعل وهي عملية كانت غائبة أو بالأحرى مغيبة، لتستمر حالة الركود، والترهل السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي في الجسم العربي الزاخر بالأمراض والأعطال وحالة مراوحة المكان.وإذا تم تطبيق الجدول الزمني المحدد من قبل القادة العرب، فإنه بالإمكان أن نتوقع أن تبدأ خطوات تشكيل أول قوة عربية مشتركة في التاريخ الحديث، بعد ثلاثة أشهر من أول اجتماع لمجلس الدفاع العربي، وذلك يعني أن الموضوع دخل منطقة الجدية في التعامل معه، لأنه بات يتعلق بمصير ووجود أمة، ظلت تراوغ على مدى العقود الستة الأخيرة- أي منذ إبرام معاهدة الدفاع العربي المشترك في العام 1950 – على صعيد أي مقاربة تحشد الصف وتوحد الجهود وتجمع الطاقات. ولاشك أن ثمة مجموعة من التغيرات في المنطقة العربية التي تفرض على دولها تشكيل قوة عربية لحماية أمنها القومي، ومن أبرزها وفقا لرؤية هابي طارق الباحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية بالقاهرة: - تزايد تهديدات الأمن القومي والعربي مع انتشار الجماعات التكفيرية كداعش والنصرة وغيرهما، وتزايد حدة الصراعات الداخلية بعد سقوط أنظمة استبدادية، وتزايد النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، مما يتهدد وجود الدول العربية أكثر من أي وقت مضى. - بروز تهديدات لأمن المنطقة على نحو يفوق قدرات المواجهة المنفردة للدول العربية وهي تهديدات تتسم بكونها عابرة للحدود، بحيث ترتبط بشبكة علاقات ممتدة، يصعب أن تسيطر عليها دولة عربية بمفردها، ومن ثمَّ فهي تحتاج تعاونًا وحلولا إقليمية، وأن تتحمل دول المنطقة المسؤولية مجتمعة لحماية أمنها القومي.- في حال إنشاء القوة العربية المشتركة، فإنها يمكن أن تمثل رادعًا دفاعيًّا ضد التدخلات الخارجية في دول المنطقة والعدوان المتكرر في مناطق المواجهات، إذا ما تضمنت القوى العسكرية الرئيسية في المنطقة كمصر والسعودية والجزائر.- شرعية الدور العربي الموحد في التدخل، ستضمن بالضرورة امتلاك الدول العربية غطاء شرعيًّا لمواجهة أي تهديدات لأمنها دون التعويل على الدور الغربي للسيطرة على هذه التهديدات، أو التورط الفردي بها، وإن كان آخرون يرون أن أي تدخل عسكري لهذه القوة يجب أن يحصل على موافقة مجلس الأمن.- حلٌّ للنزاعات البينية بين الدول العربية، حيث تقلل القوة العربية المقترحة من أي تدخلات عسكرية منفردة لدولة ضد أخرى في المنطقة، ولعل ذلك ما أثارته الضربة الجوية المصرية ضد ليبيا التي تمثل دفاعًا شرعيًّا مصريًّا عن النفس في مواجهة التهديدات الإرهابية.- توفير الخبرة لدى الجيوش العربية الصغيرة: ثمة فائدة تكمن من القوة العربية المشتركة على الدول العربية ذات الجيوش الصغيرة، أو التي لم يسبق لجيوشها خوض تجارب القتال من قبل، وكانت تعتمد على القوات الأجنبية في حمايتها، وتواجه اليوم انكشافًا مع توجه اهتمام الولايات المتحدة نحو دول شرق آسيا، بحيث تستفيد تلك الدول من خبرات الجيوش الكبرى المشارِكة.- إنشاء قوات تدخل غير تقليدية: تواجه المنطقة تهديدات غير تقليدية لم تمر بها من قبل، ولا تتمكن من مواجهتها بصورة كاملة لضعف إمكاناتها، وتحتاج لصور تدخل أمنية غير تقليدية كقوات مكافحة الإرهاب، والتدخل السريع، وحفظ السلام، أو تقديم معونات للدول المتضررة. ويتمحور التساؤل الأساسي والصعب حول كيفية تشكيل القوة العربية المشتركة، وهل ستتكون من دول محددة دون باقي الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية، أم ستكون تحت نطاق عربي أوسع، تفعيلا لمعاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم توقيعها في عام 1950؟. ويبدو الخيار الثاني الأكثر جدوى، خاصةً أن الفكرة نشأت بالأساس في نقاشات الجامعة العربية، برغم ما يعتري هذا الخيار من صعوبات في التنفيذ بسبب صعوبة الإجماع العربي، والصراعات البينية العربية العربية.وأيًّا كانت التساؤلات وهي مهمة عند التعاطي مع متغير بهذه النوعية في النظام الإقليمي العربي، فإن الفكرة باتت قاب قوسين أو أدنى من التطبيق وهو أمر بث بعضا من الارتياح لدى أغلبية النخب السياسية والفكرية العربية، والتي رأت أن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، والمشكل من 9 دول عربية، يمثل الأنموذج الناجح، في بناء مثل هذه القوة المشتركة والتي ستكون المشاركة فيها طوعية وليس على سبيل الفرض، وهو ما يعني اقتصارها على الدول التي تمتلك البشر والقدرات العسكرية والتسليحية والإسناد اللوجستي، فضلا عن الخبرات القتالية العالية وهو ما جسده التحالف العربي الجديد، والذي يمكن أن يشكل الأرضية التي تتكئ عليها القوة المرتقبة والوليدة.إن الأمة في حاجة إلى بناء هذه القوة لتدفع بها، لأن تكون رقما مهما في المعادلة الإقليمية، ولو أن هذه القوة كانت متجسدة بشكل أو بآخر في الواقع العربي، لاختلفت مواقف الكثير من القوى الإقليمية تجاه بعض الدول العربية التي صارت مرتعا لنفوذ هذه القوى، وبعضها يتفاخر لأن نفوذه يمتد في هذه المرحلة إلى 4 عواصم عربية، هي: بغداد وبيروت ودمشق وأخيرا صنعاء، وهو ما يتسم بقدر من المبالغة من بعض رموز هذه القوى، ليس بمقدورها الصمود مع الحقائق الجيوسياسية والواقع في المنطقة.