13 سبتمبر 2025

تسجيل

زيارة

30 مارس 2014

عندما زرته لأول مرة، جلست قبالة جبل يزينه الاخضرار وأنا ألحظ هدوء نفس لا أدري إذا كان ليد طبيب لمسة فيه. خلته للحظات شمعة لا تنطفئ وضوءاً لا يخبو وأنا أقول بسرّي كيف لهذه السماحة أن تأتي من جفاف أرض شاسعة تعرضت للعطش أحايين كثيرة؟! كيف نلتقي ونحن غرباء جمعتنا مدينة واحدة سنين طوالا، لكنها لم تقدم لنا يوماً، لقاء أو فرحة أو تعزية متبادلة، مدينة ليست ككل المدن، إنها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، لها من اسمها نصيب والاسم له منها بقاء. شربت قليلاً من قهوة الضيافة التي بدوت أنني أجهل إتيكيت التعامل معها، لكنها لا تُعير اهتماماً لمنتقصها كثر ما مرّ عليها الزمان واغترب. رشفت قليلاً وأنا أتهيب هذا السطوع وأشعر بوفاء واعتزاز شديد الغموض والنضرة. مستمع جيد، يقول بلا كلام ويُحلل ما يسمع بهدوء شديد، لم أنتبه، بل لم آبه لما قد يصل إليه من مغزى وتحلٍ.. كنت أشعر بإحاطة من الود غير معهودة لا أريد افتقادها في زمن الفقد، وأنا أرى كتابي على مرمى نظرة لأدرك أن الكتّاب لهم أصدقاء غير مرئيين، أصدقاء حرف ولطف، ونحن لا نعرف قيمة أنفسنا إلا عندما نجتمع بهم صدفة أو بموعد أو بلا موعد على حين غرّة. خلته بهياً يرى من الأشياء كبرها وقدرها ويعرف رفعة من يواجهه، لا عمراً وقدراً، بل ود ووفاء وألق، ولا أخالني حيادية قط. حدثني عن قليل من ذكريات حملها ككيس هموم على ظهره حتى انحنى وجعه وارتفع دونه. وجع الرجال خَفُوت الحنين استأمنته على واحدة من قصائدي المدللة حتى غطت شجرة الأبوة فيه ملمحا وثيرا.