31 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ اللحظة الأولى التي نزلت فيها قوات الجيش المصري إلى شوارع القاهرة يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011، الذي شهد سقوط المنظومة الأمنية للنظام السابق، كانت المؤسسة العسكرية تسعى إلى حجز موقع لها في النظام السياسي القادم. وكانت تعلم أن القوة السياسية الأساسية التي سوف يكون لها نصيب الأسد من هذا النظام هي جماعة الإخوان المسلمين. ولذا فقد لجأ المجلس العسكري إلى إتباع استراتيجية المزاحمة مع الجماعة والتي تقوم على منع الجماعة من الاستحواذ على النظام الجديد. واعتمدت المؤسسة العسكرية في تنفيذ استراتيجيتها تلك على أدوات عديدة، كان أبرزها إرباك الجماعة عبر أمرين أساسين، أولهما دفع التيار العلماني إلى الدخول في صراعات متعددة مع الجماعة تحت عناوين مختلفة مثل الطريق الذي يجب سلوكه في الفترة الانتقالية وهل يبدأ بوضع الدستور أم بإجراء الانتخابات، وكذلك ما يتعلق بكيفية اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. وكان الأمر الثاني هو محاولة دفع الشعب المصري بعيدا عن التيار الإسلامي خاصة الإخوان، من خلال العمل على استمرار المشاكل التي يعاني منها مثل الانفلات الأمني والمشاكل الاقتصادية. وحينما فشلت كل هذه الأدوات في تحقيق أهدافها واستطاعت جماعة الإخوان والتيار السلفي الحصول على مكاسب كبيرة، سواء خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية أو خلال الانتخابات التشريعية، لجأ المجلس العسكري إلى أداة جديدة تتمثل في محاولة عقد اتفاق مع الجماعة يقوم على الحصول على نصيبه من السلطة الجديدة عبر الدفع بأحد الأشخاص المقربين من المؤسسة العسكرية إلى منصب رئيس الجمهورية. لكن هذه الأداة لم تحقق نتائج أيضا مع إصرار المجلس على أن تكون شخصية الرئيس القادم إما عسكرية أو محسوبة بشكل واضح على المؤسسة العسكرية، وهو ما يعني استبعاد المرشحين ذوي الخلفيات الإسلامية، ما يجعل الأمر من الصعوبة بمكان على التيار الإسلامي أن يساند شخصا بعيدا عن المبادئ التي يؤمن بها. كما أن الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها المجلس العسكري خلال الفترة التي سبقت وتلت الانتخابات التشريعية، خاصة أعمال القتل التي ارتكبها ضد شباب الثوار ومشاركته في مخطط محاولة إفشال حكم الإسلاميين في مصر، فضلا عن رفضه القاطع تشكيل الإخوان لحكومة تحل محل حكومة الجنزوري التي ثبت فشلها في مواجهة مشاكل الوطن.. كل هذا جعل المجلس يفقد كثيرا من مصادر شرعيته وقوته في مقابل زيادة قوة التيار الإسلامي. وهنا جاء التحول في موقف التيار الإسلامي، خاصة جماعة الإخوان على لسان مرشدها الدكتور محمد بديع الذي أعلن فيه أن الجماعة وضعت شروطا للمرشح لمنصب الرئيس، أبرزها أن يكون ذا خلفية إسلامية وألا يكون شخصية عسكرية. وهو ما يعني غلق الباب أمام تحول الجيش لمؤسسة مسيطرة على مؤسسات الدولة الأخرى، لكن دون أن يعني ذلك استبعاد المؤسسة العسكرية من تفاعلات العمل السياسي. وقد تأكد هذا التوجه الجديد للجماعة مع التصريحات التي أطلقها الدكتور محمد البلتاجى، عضو مجلس الشعب عن حزب الحرية والعدالة (الإخوان)، والتي أكد فيها أن "هناك معايير مهمة لاختيار الرئيس القادم، أهمها ألا يكون محسوبًا على النظام السابق وألا يكون محسوبًا على المؤسسة العسكرية، وأن يكون قادرًا على تحقيق التواصل والتوافق بين مختلف التيارات السياسية في مصر، فضلا عن كونه قادرًا على تحقيق الاستقلال الوطني أمام الخارج وبعض الجهات السيادية في الداخل". هذا الموقف الجديد للإخوان جاء أيضا على خلفية معلومات وصلتها عن سعي المجلس العسكري إلى تزوير الانتخابات الرئاسية خلال مرحلة فرز الأصوات من أجل إنجاح عمرو موسى أو أحمد شفيق في مواجهة أي مرشح إسلامي. وهو ما دفع الجماعة إلى إصدار بيانها الذي كشفت فيه هذه التوجهات وربطتها بتمسك المجلس بحكومة الجنزوري من أجل تنفيذ هذا المخطط. وجاء رد المجلس سريعا في صورة بيان يحمل تهديدا شديد اللهجة ضد الإخوان مذكرا إياهم بأحداث 1954 التي انقلب فيها الجيش على الإخوان وإلقائهم في السجون والمعتقلات. ورغم قوة البيان اللفظية إلا أنه كان دليلا على مدى الضعف الذي ينتاب المجلس العسكري في مواجهة الإخوان. ذلك أن تهديداته تؤكد عدم امتلاكه لأوراق قوة حقيقية يواجه بها الإخوان، فضلا عن أن هذه التهديدات تضع المجلس في مواجهة الشعب بأكمله لأنها تعني الانقلاب على ثورة يناير وهدفها في بناء دولة ديمقراطية كما حدث في عام 1954. وهذا يعني أن المجلس العسكري يخسر ما تبقى له من شعبية وشرعية ولن يجد له سندا إلا في القوى التي تمثل الأقلية الساعية إلى مواجهة الأغلبية بأية طريقة حتى لو كانت دفع المجلس إلى القيام بانقلاب عسكري سيؤدي إلى صدام مباشر مع الشعب ستكون نتيجته انقسام المؤسسة العسكرية.