17 سبتمبر 2025

تسجيل

"زنقة" اليمن وتحرير ليبيا

30 مارس 2011

عندما كشفت عن حيرتي مع بدء الهجوم العسكري الجوي على ليبيا، الذي تبنى إصدار قرار دولي بشرعيته الولايات المتحدة الأميركية، في تأييد هذا الهجوم أو معارضته؛ لم أكن أفكر سوى بشيئين هما الشعب الليبي البريء الذي سيُسفك دمه وتُنتهك سماؤه لأجل ما تعتقد أميركا أنها خدعتنا به وهي حرية ليبيا.. والشيء الآخر هو ان القذافي كان يجب أن يجد من يلجمه ويوقف إرهابه الدموي الذي حصد الآلاف من أبناء هذا الشعب، الذي أرفض حتى هذه اللحظة أن أناديه بشعب القذافي، لإيماني بان الشعب يتبع الوطن والرئيس تابع للشعب.. ولهذا ظلت هذه الحيرة تقتات من أعصابي وتفكيري، حتى مع انهماكي بالشأن اليمني الذي أضحى هو الآخر من الأولويات التي تتبوأ قائمة اهتمامات قلمي الموجوع بالشعوب وليس الأنظمة التي يلصقني بها بعض الذين أخالفهم وجهات النظر، وهذا لا يهمني بقدر إيماني بأنني من الشعوب ولا أعرف من حكام العرب سوى صورهم المطبوعة بطريقة الفوتوشوب!.. اليوم تزيد بي الحيرة مداها الصعب وأنا أشاهد تلك الأجساد الطاهرة الليبية وهي تدفع ثمن ثورتها وطمع الغرب في ثرواتها النفطية، وتلقى ربها ليس لذنب ارتكبته ولا لخطأ فعلته، ولكن لأنها كانت تسكن بيوتها التي كانت تظنها آمنة تؤويها وتحمي دمها من أن يسفك على خرابها، فهذا ما تفعله اليوم هجمات الطائرات المشتركة التي تشنها قوى التحالف ضد ليبيا ويقال إنها ضد كتائب القذافي!!. ورغم إيماني بأن لكل شيء ضريبته بهذه الدنيا، لكنه يصعب علي حقاً أن أشاهد هؤلاء الذين كانوا يسكنون بيوتهم لا تراودهم سوى أحلام الحرية وقد بات معظمهم جثثاً تحت الركام، بعد أن انهالت عليهم القذائف الصاروخية (الصديقة) وأحالت بقدرة قادر تلك الأحلام لآهات مكلومة لفقدان الأب والأخ والأم وصديق العمر.. ومع هذا فلا أمان مع شخص مخبول مثل القذافي الذي فقد أهليته وقدرته على إدارة البلاد والعباد، وأشكر قطر على قرارها الشجاع بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي للثورة الذي تشكل بعد أن أجمع الشعب على ان عهد القذافي وأبنائه قد مضى وانقضى، وان العهد الليبي الجديد في مخاض عسير ستلده الأيام بإذن الله قريباً.. فأين الحق في أن أنادي بأن تكف قطر ولندن وواشنطن وغيرها من الدول المتحالفة لضرب كتائب القذافي يدها عن ليبيا، لوقف هذا المد من الضحايا الأبرياء، وأين الحق الذي يتعاظم في داخلي للسؤال عن كيفية إلجام القذافي وكتائبه الإرهابية عن العبث بأرواح جماهير يسكن معظمها البيوت الآن، ولم يتبق سوى الثوار لمواجهة هجوم هذه الكتائب المنحرفة عن جادة الصواب؟!.. ومع هذا فإيماني بأن رحيل القذافي بات وشيكاً لا محاله بعد أن لفظه أصدقاؤه قبل أعدائه وأصبح شخصاً غير مرغوب به وتخلى عنه أكبر مناصريه في العالم العربي والعالم الغربي على حد سواء.. ولعل هذا الأمر هو ما يخفف عني شعوري بأن الأمر لا يمكن أن يستمر طويلاً، وان شعب ليبيا يمكن أن يطلق صيحات الفرح قريباً متشهداً على أرواح من رحلوا ومستبشراً بالأرحام أن تنجب من يمكننا أن نطلق عليهم جيل الحرية الجديد.. أما اليمن فإنني لم أكن في يوم من الأيام داعية حرب أهلية فيها وأن يعتصم عشرات الآلاف أمام جيوش مليونية أجمعت في جمعة التسامح على ان خطوطاً حمراء لا يمكن لهؤلاء أن يتجاوزوها وهي الوحدة والديمقراطية والشرعية التي أقرها الدستور اليمني، الذي أستغرب كيف يطالب هؤلاء بما ليس فيه، ويشددون في الوقت نفسه على التمسك به وببنوده ويتفادون المناقشة في خطة ما يسمونها ثورة التغيير، ومازلت أرى انها فوضى وتخريب وانتهاك لحرمات المواطنين، واعتبار ان اليمن هي اليمن التي لا يمكن أن تشبه ليبيا ولا تونس ولا مصر في استنساخ الثورات التي قامت على أسس وخطط، بينما ما يجري في اليمن تخبط يصطدم بحائط "إرحل يا علي" ولكل حادث حديث فيما بعد!.. واسمحوا لي إن كنت قد جمعت النقيضين في مقال واحد، ولكنه الشعور الذي يراوح نفسه ما بين الاستحسان والاستياء مما يجري بليبيا من عمل عسكري دولي، وبين إحساس قوي بأن (زنقة اليمن) يحلها الحوار والنقاش البعيد عن التعصب والتعددية الحزبية التي استغلت مطالب الشباب لخدمتهم وتلميع منتسبيهم، ولهذا كان مفهوم الثورة هو الحاضر الغائب في اعتصاماتهم التي يقضون نهارها في تخزين القات وليلها في السمر والسهر وحين ينادي أحدهم الثورة يا رجال يهتفون إرحل يا علي!.. قولوا ما شئتم هذه وجهة نظري، ومن هدد بسحقي فليكن رجلاً ويأتي لأنني سأخاف والله، لأن ما يخيفني في حياتي هو الصرصار والفأر فأسحق الأول وأسمم الثاني، وكفى الله دنياي شر الأوبئة! فاصلة أخيرة: حين أحترم وجهة نظر ليس بالضرورة أن أقتنع بما جاء فيها، لكني أؤمن بأنني على صواب لحين اقتناعي بأنني خاطئة وليس الأمر إجباراً.. اعذروني فأنا حرة نفسي.