17 سبتمبر 2025

تسجيل

الغورنيكا العربية

30 يناير 2015

الغورنيكا رائعة بيكاسو الخالدة التي مثلت صرخة إنسانية كبرى ضد الحرب والعنف والظلم وجسدت مفهوماً فلسفياً خاصاً بتفاعل الفن مع الظروف السياسية والإنسانية.الغورنيكا القرية الإسبانية الباسكية التي كانت معقلاً للثوار وقصفتها الطائرات النازية الألمانية والفاشية الإيطالية المدعومتان من نظام الدكتاتور الإسباني فرانكو، في قصف هو الأول بالطيران الحربي على مدينة آهلة يالسكان ومحرومة من أي وسيلة دفاعية، وقضى على عدد كبير من سكان البلدة، وكان فاتحة شر لحروب المدن سيئة الصيت.لوحة الغورنيكا التي طافت العالم وضم مبنى الأمم المتحدة صورة منها، أصبحت رمزاً لمناهضة الحرب ورفض الظلم، والأمل بغد أفضل وتحولت من مجرد لوحة فنية إلى أيقونة ثقافية تخاطب عقول البشر وضمائرهم. الغورنيكا التي عادت إلى إسبانيا بعد أربعين عاماً قضتها في المنفى مثل مبدعها بيكاسو، وقد عادت بعد رحيل الديكتاتور فرانكو ليقف الناس في طوابير طويلة أياماً لإلقاء نظرة عليها وتذكر مآسي الحرب الأهلية الإسبانية.الغورنيكا رسمها بيكاسو بألوان سوداء ورمادية وبيضاء وزرقاء داكنة تتشابك معاً في ضجة وصخب منظم ومنهجي، فالأشكال حُررت من مظهرها التقليدي بينما ظلت تحتفظ بكل قيمتها الرمزية، لتظهر وحشية الحرب بالوجوه الملتوية والأفواه الفاغرة والطير المتألم والحصان الذي يصهل من شدة الفزع ويمثل إسبانبا الجريحة، والنساء الباكية والهاربة والتي تحمل المصباح وترمز للضمير البشري والأجساد التي تهوي تحت أقدام الوحش، والثور الذي يمثل القوة الغاشمة، كلها رموز لضراوة الحرب وقسوتها.الغورنيكا مثلت أيضاً ثورة ضد الأفكار التقليدية التي تعتبر الفن نوعا من الترف والإمتاع البصري الذي يبتعد عن الواقع بما يحمله من معاناة وقهر، فالغورنيكا أثبتت أن الفن ضرورة من ضروريات الحياة ومرآة شفافة لقضايا الإنسان وهمومه.واليوم ما أكثر "غورنيكاتنا" العربية التي تئن من الألم وتنزف كل يوم أنهاراً من الدماء الزكية، فهنا دمٌ مباح لا حرمة له وهنا أرواح تزهق لتشبع لذة العبث وشهوة القتل.