16 سبتمبر 2025

تسجيل

مع بول إيلوار والشوق للحرية

30 يناير 2014

يفقد الغزال رغبته في الحياة، حين يقع في الأسر. والفارق بين الحصان البري والحصان المستأنس فارق كبير، فالأول ينطلق في البراري شامخاً ومثيراً للإعجاب، أما الثاني فإنه لا يتحرك إلا بأوامر من يمتطي صهوته. وفي حدائق الحيوان يتجمع الأطفال – دون خوف – أمام قفص الأسد الذي يبدو ذليلاً ومنكسر الروح، لكن الأطفال ومعهم الكبار لابد أن يصابوا بالرعب لو تخيلوا أنهم تائهون في غابة، يحكمها الملك – الأسد.عشق الحرية كامن في قلب كل من الغزال والحصان البري والأسد، فبدون الحرية تصبح الحياة ذاتها بغير طعم، ولا شيء فيها يستحق عناء الاهتمام. هذا عن الحيوان، فما بالنا بالإنسان الذي يتصور أنه أرقى الكائنات؟. على امتداد الحضارة الإنسانية فوق سطح الأرض، لم يتوقف الصراع الطويل والمرير بين الذين يسلبون الآخرين حريتهم وبين من فقدوا هذه الحرية. غياب الحرية أبشع أنواع القهر. المنفى مرعب لأنه يقيد حرية الإنسان في العيش فوق أرضه التي يحبها، والسجن مرعب، لأن الإنسان في داخله لا يتحرك كما يشاء، وإنما يظل في دائرة، ينسى خلالها حركة الزمان، والقتل مرعب لأنه يلغي حرية الإنسان في أن يظل حياً مثل سواه من الناس الأحياء.الدكتور زكريا إبراهيم واحد من أهم أساتذة الفلسفة الراحلين في عالمنا العربي، وقد أصدر سلسلة من الكتب العميقة، لكن أسلوبها سهل وجميل، وبالتالي فإنه ييسر على القارئ العادي قراءتها، ويختص كل كتاب من تلك السلسلة بدراسة مشكلة واحدة محددة، فهناك – مثلا - مشكلة الإنسان ومشكلة الحب ومشكلة الحياة، إلى جانب كتاب مشكلة الحرية، الذي صدر في طبعته الأولى سنة 1957 ثم توالت طبعاته بعد تلك السنة، وفي مقدمته للطبعة الأولى يرى الدكتور زكريا إبراهيم أنه: ليس في لغات البشر كلمة تخفق لها القلوب قدر ما تخفق لكلمة الحرية، ولكن ليس بين مشاكل البشر مشكلة حارت لها الأفهام قدر ما حارت لمشكلة الحرية، فالإنسان هو في الأصل موجود طبيعي، ولكنه بين الكائنات جميعا أشدها حنينا للتخلص من جبرية الظواهر، وأقواها نزوعا نحو التحرر من أسر الضرورة.إذا كانت للحرية جوانب متعددة، فإن ما أشير إليه هنا يتعلق بالجانب السياسي وليس الفلسفي، حيث يواجه عشاق الحرية في كل مكان وزمان ما يواجهونه من سدود وقيود، تحاول التصدي لأشواقهم لها، وهذا ما صوره أجمل تصوير كثيرون من شعراء العالم، ممن عبروا عن أشواقهم وأشواق عشاق الحرية، وقاموا بحث الناس على عدم الاستسلام لما يفرضه الطغاة من الحديد والنار، ولعلنا نتذكر هنا البيت الشهير لأمير الشعراء العرب - أحمد شوقي: وللحرية الحمراء باب - بكل يد مضرجة يدق، وإذا كان الشعراء يبدعون ما يبدعون وهم يتصدون لقضايا سياسية معينة في زمان كل منهم، فإن ما يتبقى لنا مما أبدعوه يتمثل في القصائد التي تستطيع تجاوز الزمان الذي كتبت فيه، منطلقة إلى قلوب الناس في كل زمان ومكان، ومن هذه القصائد قصيدة الحرية للشاعر الفرنسي الكبير بول إيلوار، وهو ابن إحدى العائلات الفرنسية الكادحة، وقد ولد يوم 14 ديسمبر سنة 1895 ورحل عن عالمنا يوم 18 نوفمبر سنة1952 وخلال حياته لم يتوقف عن النضال الثوري ضد الطغاة والمحتلين، حيث كان أحد شعراء المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي الألماني لوطنه فرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، وهذا ما تكرر في أرضنا العربية فيما بعد، حين انطلقت قصائد توفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم وسواهم من شعراء المقاومة الفلسطينية الذين واجهوا بالكلمة المقاتلة آلة القمع الصهيوني في فلسطين العربية، وتبقى قصيدة الحرية لبول إيلوار قصيدة متجددة ونابضة بالحياة وبالعنفوان، لأنها من القصائد الرائعة التي استطاعت الخروج من زمان كتابتها، لكي يقرأها من لم يقرأها من أبناء الأجيال الجديدة في أرضنا وفي أراضي سوانا من المتعطشين للحرية.