15 سبتمبر 2025
تسجيلإن هدي الإسلام الحنيف يدعو الناس إلى كل خير لما فيه من صلاح حياتهم الدنيا وسعادتهم في الآخرة، فلقد ركب الله في الإنسان العديد من الغرائز والأحاسيس، فهو يتأثر بما يجري حوله ويتفاعل بما يشاهد ويسمع من الآخرين، فيضحك ويبكي ويفرح ويحزن ويرضى ويغضب إلى آخر تلك الانفعالات النفسية، فلقد خلق الله تعالى الإنسان من تراب الأرض بجميع أنواعه الأبيض منها والأسود والطيب والردئ، فنشأت نفوس الناس متباينة الطباع مختلفة المشارب فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها، ومن هذا المنطلق راعى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك في وصاياه للناس، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه وما يعينه في تهذيب النفس وتزكيتها إلا دوام المحبة بين أفراد المجتمع المسلم، لأن مجتمع المؤمنين لا تقوم المعاملة بين أفراده على المؤاخذة والمحاسبة والانتصار للذات، وإنما تقوم فيه المعاملة بين الأفراد على السماحة والصفح والصبر،فمن الأمور التي نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها الاسترسال في الغضب، فقد يخرج الإنسان بسببه عن طوره، وربما جره إلى أمور لا تحمد عقباها، فعندما سأله رجل وقال أوصني قال: لا تغضب فردد مرارا لا تغضب، فبهذه الكلمة الموجزة يشير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى خطر هذا الخلق الذميم.لأن الغضب جماع الشر ومصدر كل بلية، فكم مزقت به من صلات وقطعت به من أرحام وأشعلت به نار العداوات، وارتكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم، إنه غليان في القلب وهيجان في المشاعر، يسري في النفس فترى صاحبه محمر الوجه، تقدح عينيه الشرر فبعد أن كان هادئا متزنا، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد، ولم يكتف ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي عن هذه الآفة وبيان آثارها بل بين الوسائل والعلاجات التي يستعين بها الإنسان على التخفيف من حدة الغضب وتجنب غوائله، فإذا استطعت أن تسيطر عليه في بدايته ترتاح وتتخلص منه بسهولة لكن إذا سيطر عليك ووصل إلى القمة يصبح بعد ذلك مصيبة، وإننا أمة القرآن أمرنا الحق أن نكثر من الطاعات فهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدربنا التحلي بعظيم القيم وجميل الأدب ومن هذه القيم الصبر والذي يجب علينا جميعا أن نتواصى به والنصح له والحرص على تقوى الله في جميع الأمور، لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصفاء القلوب وصلاح المجتمع، فالصبر صفة يتسم بها المسلمون وتعتبر من صفاتهم وأخلاقهم التي يتسمون بها عن غيرهم والصبر يكون في جميع وجهات الحياة اليومية ونحتاج إليه في الحياة لكي نعيش بهدوء وعقلانية وحياة خالية من المشاكل، والصبر متعلق بالإيمان، لذلك ينال المرء عليه الأجر والثواب فمن غمر قلبه الإيمان تزين بالصبر لأن هذا الخلق العظيم وهذه الصفة تجعل من صاحبها إنسان ذو مكانة عالية وعظيمة يتزين بالوقار والاتزان والحكمة ويعطي الإنسان الهيبة واحترام الآخرين له، فالصبر صفة من صفات الأنبياء.إن الصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع وهو حبس النفس وقهرها على مكروه تتحمله أو لذيذ تفارقه وهو عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو من أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصائب والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، وعندما نتكلم عن الصبر فإننا نتكلم عن نصف الإيمان، فمن هدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يصبر على أذى المشركين رغم انه قادر على الدعاء عليهم بالهلاك ولكنه فضل أن يصبر عليهم رغبة في نيل الأجر من الله تعالى ورغبة في إسلامهم أو إسلام أبنائهم من بعدهم علينا الاقتداء برسولنا في الصبر والتحمل لكي ننال الأجر والثواب بالصبر على البلاء أو على المصائب أو على الإيذاء من الآخرين أو على أي شيء يحتاج منا إلى صبر وكذلك الصبر على ضيق الحياة وعسرها، مثل أن يكون الإنسان فقيرا فعليه أن يصبر على ما قسمه الله له ولا يشكو إلى الناس، ومن أنواع الصبر المحمودة والتي يؤجر عليها المرء الصبر على طاعة الله تعالى، لأن الطاعات تحتاج من الإنسان إلى بذل الجهد في القيام بها وأدائها على أكمل وجه، مثل أداء الصلوات في أوقاتها وغيرها من الطاعات التي تحتاج إلى صبر وعزيمة، وعلى هذا الأساس المتين يقيم المسلم الصادق علاقاته الاجتماعية مع الناس، فهو صابر مع الناس جميعا لأن هدي الإسلام الذي تغلغل في كيانه علمه أن الصبر رأس الفضائل وأساس مكارم الأخلاق به ينال رضا الله وجنة عرضها السموات والأرض.